الأدب القصصی فی إیران قبل الثورة محمد رضا سرشار ـــ ت.د.أحمد موسى(*)




نشرت هذه المقالة في مجلة الآداب العالمیة، العدد 139، صيف 2009، السنة 34




بعد نهایة الحرب الإیرانیة العراقیة، عرفت الساحة الفکریة مرحلة فتور دامت عشر سنوات ﻣﻨﺬ انتصار الثورة الإسلامیة. ﻟﺬلک کان من الصعب على أی أدیب العودة إلى ذلک العالم الخاص بعد ﻫﺬه القطیعة. علاوة على ذلک فإن ﻫﺬه الاستحالة الفکریة کانت فی طور البروز عند عدد مهم من أدباء الجیل الذی عاش فی أکناف الثورة الإسلامیة مما أدى إلى ظهور نوع من الفتور فی عزمهم للدخول إلى عالم القصة فی عهد الثورة الإسلامیة. ومثل ﻫﺬه الاستحالة کانت تزداد تَکرُّساً فی المجتمع یوماً بعد یوم ، ﻟﻫﺬا فإن ﻫﺬا النوع من الآثار لم یکن له متتبعین.
إذا أضفنا إلى کل ﻫﺬا عاملاً آخر وهو ندرة الکتب المطبوعة فی السنوات الأخیرة والتی أدت بدورها إلى عدم اهتمام عددٍ کبیرٍ من کُتَّاب جیل الثورة بالکتابة القصصیة وعدم اعتبارها الشغل الشاغل والأصلی لهم، سیتبین لنا بجلاء أسباب ﻫﺬا الفتور والرکود.
یمکننا تعریف الأدب القصصی الثوری تعریفاً واسعاً بأنه : کل عملٍ قصصیٍ یتمحور موضوعه الأصلی حول مواجهة الأنظمة الفاسدة السابقة التی کانت تحکم البلد. فی ﻫﺬا التعریف لا یبقى لمعتقدات المذهب أو غیر المذهب أو الیمین والیسار محلٌ من الإعراب. لکن مع ﻫﺬا التوسع فی التعریف فإن بحثنا لن یکون علمیاً لأنه فی ﻫﺬه الحالة یمکن أن نجد أعمالاً قصصیة فی عهد الثورة الدستوریة أو ما بعدها تناولت مواضیع المقاومة ومعارضة النظام القاجاری ونظام رضا خان ونظام محمد رضا اﻟﭙهلوی، ﻟﺬلک یمکن القول أن الأدب القصصی الثوری الذی نعنیه هنا هو ذاک الأدب الذی یهتم بطرح قضایا الثورة الإسلامیة باعتبارها قضایا أساسیة ومحوریة، وبالنظر إلى تاریخ مقاومة جماعات وعناصر إسلامیة فی ﻫﺬا الطریق یمکن أن تبتدئ ﻫﺬه القصص من عهد الشیخ فضل الله نوری وتمتد إلى فترة الشهید مدرس وفدائیی الإسلام وثورة الخامس عشر من خرداد 1342ش (5 یونیو 1963م) وهیئات مؤتلفة وجماعات وأشخاص آخرین کالإمام الخمینی وآیة الله سعیدی وآیة الله غفاری وآخرین. ویتمثل أوج ﻫﺬا الموضوع فی سنة 1356ش (1978م) وبدایة النهضة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینی وانتهاءً بانتصار الثورة الإسلامیة فی 22 بهمن من سنة 1357ش (11 فبرایر 1979م). 
لقد تعددت القضایا بعد الثورة الإسلامیة فتنوعت بین الحروب الداخلیة الانفصالیة والحرب ضد العدو الأجنبی ومناوشات المعارضین فی الداخل...ولکی تتبین لنا وضعیة إسهامات الکتاب فی هذا العصر فی هذا المجال، لابد من التعرُّف على الآثار التی کتبت حول هذه المواضیع وترتیبها وتحلیلها، وبالتالی الحکم على ذلک حکماً مقارناً. وهنا یجب مقارنة ما کُتب فی إیران حول الثورة مع ما کُتب فی الدول الأخرى بخصوص ثوراتهم. فعلى سبیل المثال فإن کتاب "البؤساء"لفیکتور هیکو یشیر إلى الحروب الداخلیة فی الثورة الفرنسیة. وهناک أیضاً أثرٌ کبیرٌ کتبه الروس حول الثورة البلشفیة سنة 1917 م، وهو کتاب "تجاوز المعاناة" لـالکسی تولستروی فی ثلاثة مجلدات، ترتبط الثورة فی هذا الکتاب بالحروب الداخلیة التی جاءت بعدها وبالحرب العالمیة الأولى ومقاومة العدو الأجنبی، وأکثر حوادثها تتعلق بهذه المواجهات التی تتصل بانتصار الثورة. لکن نظام الثورة الحاکم فی الإتحاد السوفیتی سیستمر فی الحرب مع العدو الأجنبی سنة واحدة فقط، لأن الحرب العالمیة الأولى ستشهد نهایتها سنة 1918 م، وقبل نهایتها سیعتزل النظام البلشفی رسمیاً.
لذلک فإننا نستنتج أن السوفیات بقوا أکثر من عشرین سنة بعیدین عن الحرب مع عدو أجنبی لغایة بدایة الحرب العالمیة الثانیة سنة 1939 م. إنهم کانوا یستطیعون کتابة قصة ثورتهم خلال هذه المدة، فی حین أن الإیرانیین لم یکن لدیهم أکثر من سنة وسبعة أشهر لکتابة قصة ثورتهم، والسبب هو أن الحرب شبَّت بعد ذلک وألقت بظلالها القاتمة على کل شیء واستأثرت بالاهتمام الکامل والإمکانیات المادیة والمعنویة طیلة ثمانی سنوات على الأقل.
وهناک أمرٌ آخر وهو سابقة الکتابة الروائیة فی روسیا، فإنها تعود إلى وقت بعید جداً، وأصبح لها روادٌ لهم مدرستهم الخاصة فی الروایة. والآن تمر أکثر من 400 سنة على عمر الکتابة الروائیة فی شکلها الجدید هناک، فی حین نجد أن الروایة فی إیران لم یمر على نشأتها أکثر من تسعین سنة. فالأعمال الروائیة الجدیدة الأولى فی إیران هی لیست روایات بالمعنی الدقیق للمصطلح. لقد بدأت هذه التجربة منذ العقد العاشر، بحیث شهدت الساحة الأدبیة عدداً لا بأس به فی هذا المجال. هذا فی الوقت الذی اکتسب الأدب فی إیران تجربة أکثر فی مجال القصة القصیرة. ومع ذلک ففی روسیا باستثناء روایة "تجاوز المعاناة" فإننا لم نشهد ظهور عمل آخر غیر "دن آرام" لـشولوخوف کروایة مرتبطة بثورة أکتوبر، وهذه الروایة نفسها ممزوجة بنوع من الحرب، کما یمکن أن نذکر روایة "الأم" لـکورکی. لکننا لا نجد فی کل ذلک آثاراً تختص بثورتهم، بمعنى آخر باستثناء القضایا الأخرى فإننا لا نجد نموذجاً قویاً لروایة حول الثورة البلشفیة أو حتى الغربیة، فی المقابل نجد أمثلة کثیرة عن الروایات المضادة للثورة، بدءً من قلعة الحیوانات لـجورج أورول وحتى أعمال أخرى من مثل دکتر جایواکری بوریس باسترناک أو مجمع الجزائر لـکولاک ألکساندر، أو قلب الکلب لـبولکاکف وأعمال أخرى لـمارکز...
إن إیران لم تتوفر على نموذج للروایة الإسلامیة أو الثورة الإسلامیة. وحتى إن توفرت على نماذج للروایات التی تتعلق بالثورة الفرنسیة والروسیة أو الأمریکیة اللاتینیة، ما کان للروائیین فی الثورة الإسلامیة أن یتخذوا من ذلک نموذجاً یحتدا به. لأن الثورة فی إیران کانت ثورة جد مغایرة.
فی هذا الصدد یمکننا استحضار بعض عناوین الروایات التی أُلفت حول الثورة الإسلامیة بعد انتصارها، أولاها روایة زنده باد مرﮒ (یحیى الموت) لناصر إیرانی من منشورات سروش. وهی روایة ضخمة، کان مؤلفها قبل الثورة ینتمی لحزب "تودة"، فأصبح بعدها تابعاً لحرکة "حاج سید جوادی". أحداث هذه الروایة لا تدور حول عامة الشعب، بل حول جماعة مارکسیة مثقفة، تعقد جلساتها فی منزل تتدارس فیها أخبار الثورة التی بدأت تتبلور فی البلاد. بطل القصة –و هو الراوی نفسه- ینفتح ذهنه تدریجیاً برؤیة الشعب فی الشوارع وانتشار الثورة الشعبیة فی کل أنحاء البلاد، ثم فیما بعد سینفصل عن تلک المجموعة الخاملة والمدعیة ویلتحق بعامة الشعب فی الشوارع. لکن هذه الروایة (یحیى الموت) هی روایة الرأی والفکر، یکثر فیها الکلام والجدل. وهناک عملٌ آخر قبل هذه الروایة، وهو لحظه هاى انقلاب (لحظات الثورة) لمحمود ﮔلاب دره اى، لکنه لا یُصنف ضمن مجال الروایة رغم أنه لیس بعیداً عن القصة، لأنه یدور حول شخصیة محوریة واحدة وهی ﮔلاب دره اى نفسه. فهذا العمل أقرب ما یکون إلى الخاطرة والمذکرات. وقد کُتب بنثر أدبی ممتع للمطالعة. وهو یتتبع أخبار الثورة أولاً بأول. وللکاتب نفسه روایة تسمى وال وهی تدور حول الثورة کذلک. وله أیضاً کتاب آخر صغیر الحجم یسمى حسین آهنى ألفه لفئة الشباب لکنه یفتقد لقیمة القصة الواقعیة. ونذکر کذلک قصة قصیرة لمحمد رضا سرشار حول الثورة، وهی تحت عنوان خدا حافظ برادر (وداعاً أیها الأخ). ونشیر کذلک إلى سیاه ﭼمن (العشب الأسود) لأمیر حسین فردی، وأحداث هذه القصة تدور فی بادیة تابعة لإقلیم کرمان، أهلها لم یعرفوا عن الثورة شیئاً إلا بعد مرور بضعة أشهر من قیامها، فلم یکن لهم دور فی الثورة, والقصة تکشف أثر الثورة فی حیاة البدو فی ناحیة من أنحاء إیران. وکذلک نذکر حوض سلمون لمحسن مخملباف وأحداث هذا الأثر تعود إلى ما قبل الثورة وتحکی قصة مواجهة ومقاومة رجل متدین للنظام الحاکم. أما کتاب أسیر زمان لإسماعیل فصیح الذی ألفه فی عقد السبعینیات، فهو مثل سائر آثار فصیح، یتمیز بطابع بولیسی وجنائی ویطفح بالحرکیة والأحداث. نذکر أیضاً روایة آتش بدون دود (نار بلا دخان) وهی روایة مفصلة فی سبع مجلدات لنادر إبراهیمی الذی کان قد کتب نفس القصة قبل الثورة مع اختلاف فی المحتوى فی مجلدین، وأکملها بعد الثورة لیصل عدد أجزائها إلى سبعة. نثرُها جید وبناؤها منسجم، تتمیز هذه الروایة بشخصیاتها المتعددة وفضاءاتها المتنوعة. شخصیاتها الرئیسیة ثلاثة، رجلان وامرأة، رجل اشتراکی مادی والثانی روحانی ومسلم مقاوم. فی نهایة المطاف تتغلب الشخصیة الاشتراکیة بفکرها، لکن مع ذلک فهذه الشخصیة تحب حضرة الإمام علی، لأنه یتصور أن لعدالته الاقتصادیة جانباً اشتراکیاً، ولذلک أصبح صدیقاً للروحانی، لأنهما الاثنان یقاومان عدواً مشترکاً (نظام محمد رضا اﻟﭙهلوی). روایة آتش بدون دود ممتعة، لکن قراءتها تأخذ وقتاً طویلاً. نشیر کذلک إلى روایة رازهاى سرزمین من (أسرار أرضی) لرضا براهنی، وهی فی حدود ألف ومائتین صفحة. تبدأ وقائعها قبل سنوات من الثورة وتمتد إلى فترة انتصارها وما بعد ذلک. وهو عمل مشتت, أحد مضامینه الأصلیة التفرقة بین الأتراک والفرس، و هو نفس المضمون الذی أنفق الاستعمار وخاصة بریطانیا وأمریکا من أجله وروَّج له لعقود طویلة. تکثر فی هذه الروایة الإشارة إلى المسائل الجنسیة لدرجة أثارت اعتراض الأوساط المثقفة على نشرها. وهناک قصص أخرى موضوعها الأصلی مواجهة النظام اﻟﭙهلوی, مثل آواز ﮐﺸﺘﮕﺎن (صوت القتلى) و بعد از عروسى ﭼﻪ ﮔﺬشت (ماذا حدث بعد الزفاف) لرضا براهنی، فالأولى لا علاقة لها بالثورة الإسلامیة، أما الثانیة فعنوانها کنایة عن الثورة الإسلامیة. وکذلک قصة از ﭼﺎه به ﭼﺎه (من البئر إلى البئر) لنفس المؤلف یطرق فیها نفس الغرض. وکذلک قصة آتش از آتش (النار من نار) لجمال میر صادقی.
کان میر صادقی عضواً فی حزب "تودة". لکن الاتجاه الغالب على الأثر المذکور هو الاتجاه المنفتح ولیس التوجه المارکسی, وهی قصة صغیرة الحجم ومنظمة، لا تتصل أحداثها بالثورة مباشرة، لکنها ترتبط بالمواجهات مع النظام اﻟﭙهلوی والساواک. وإنی أعتقد أن مشکل هذه الآثار هو محدودیة مخاطبیها، فهی تختص فی الغالب بقشر محدود من المثقفین، والسبب فی ذلک راجع إلى افتقاد کتّاب هذه القصص إلى التجارب الشعبیة والاجتماعیة اللازمة. ولعل قلة متعة وجاذبیة مثل هذه الآثار یکمن فی هذا السبب. لأن العوام لا یستطیعون ربط الاتصال بینهم وبین هؤلاء, لکن بغض النظر عن جانب المحتوى والتوثیق فإن أقوى روایة وأکثرها اتصالاً بالثورة هی روایة مدار صفر درجه (مدار الصفر درجة)، وهی روایة ضخمة تقع فی ثلاثة مجلدات (1800 صفحة). لکن عیبها یکمن فی تحریف طرح الوقائع التاریخیة، فهی تصور أن الثورة جاءت وشرعت من المارکسیین والشیوعیین وتقدمت بفضلهم، وحین انتصرت جاء رجال الدین (الروحانیون والمذهبیون) وامتطوا هذا الفرس وأخذوا بلجامه. لکنه عمل ممتع وجذّاب. وهناک بعض القصص التی تجنبت طرح مواضیع ترتبط بالثورة الإسلامیة، لکنها جعلتها هدفاً لها بانتهاج قالب رمزی أو تمثیلی، فعلى سبیل المثال أحمد محمود هذا فی کتابه درخت انجیر معابد (شجرة تین المعابد) صوَّر إرادة الثورة الإسلامیة الشعبیة وقیام الناس کأنها مدینة خیالیة واستعان بأسلوب وسیاق القصص الواقعیة السحریة. فصوَّر قائد تلک الثورة على هیئة إنسان درویش کاذب، وإن وصفَه لحالته الروحیة تدل على أن الکاتب کان له عین على الثورة. لقد رسمت هذه القصة لهذا الشخص الدرویش ولأتباعه الجُهَّل والخرافیین (بصفتهم عامة الشعب) صورة فاشیة. وقد طرح مقابل هذا التیار الخرافی الشبه مذهبی والانتهازی تیاراً آخر یمثله عدة شخصیات روحانیة مثقفة. أما روایة خانه ادریسى ها (بیت الأدارسة) لغزاله علیزاده فهی فی الظاهر تطرح ثورة اشتراکیة (شیوعیة)، فیها نوع من التشبیه الرمزی یعطف ذهن القارئ إلى مقصود وکنه الکاتب. وکذلک روایة شهرى که زیر درختان سدر مرد (المدینة التی قضت تحت أشجار السدر) لخسرو حمزوى فهی تنطوی على تشبیهات رمزیة تُلمِّح للثورة الإسلامیة. سعى کاتب القصة إلى تشبیه قائد قصته الروحانی بالإمام الخمینی وتشبیه حاشیته بحاشیة الإمام، کما سعى إلى تصویر عامة الشعب فی قصته بشکل مشابه لأتباع وأطراف الإمام الخمینی. فهو یرسم للمذهبیین صورة فظیعة وسیئة. نذکر کذلک المجموعة القصصیة سالهاى ابرى (السنوات السحابیة) لعلی أشرف درویشیان. بطل هذه المجموعة هو الکاتب نفسه وهو عنصر مارکسی. أما جزیره سرﮔردانى (الجزیرة الحائرة) و ساربان سرﮔردان (الحادی الحائر) لسیمین دانشور ابتدأت قبل الثورة بقلیل واستمرت حتى السنوات الأولى للحرب. وکذلک سالهاى بنفش (سنوات البنفسج) لإبراهیم حسن ﺑﻴﮕﻰ، فإنها من القصص المعدودة التی نظرت إلى الثورة نظرة إیجابیة.
مع ذلک فإننا لا نتوفر لحد الساعة على روایة شاملة ومنصفة ووفیة لوقائع الثورة الإسلامیة الأساسیة. بطبیعة الحال لا یُتوقع من أفراد غیر مسلمین أو شبه مثقفین من أمثال أحمد محمود أو سیمین دانشور أن یخلقوا مثل هذه الآثار.
واقع الأمر أن جیل الثورة الملتزم لم یکن له حضور یُذکر فی ساحة الأدب القصصی قبل الثورة، بخلاف أدب الأطفال.
وقد تأسس فی عقد السبعینیات مکتبان عُنیا بهذا الأمر بشکل جدی : الأول مکتب أدب الثورة فی مرکز التربیة الفکریة للشباب، وعمل على توصیة الکتاب وتشجیعهم على تألیف قصص حول الثورة الإسلامیة، وقد نشر هذا المرکز آثاراً کثیرة. وممّن نُشرت لهم قصصاً مطولة فی هذا المرکز نذکر : نورا حق ﭘرست وافسانه شعبان ﻧﮋاد ومحمد رضا محمدی ﭘاشاک، هذا الأخیر نشر مجموعة من القصص تحت اسم "قصص الثورة".
بناء على ذلک فإننا نجزم أنه إذا کانت الکتابة الروائیة فی شکلها الجدید ظهرت فی إیران متأخرة عن الغرب بأکثر من 300 سنة، فإن جیل الکتاب الملتزمین دخلوا إلى هذه الساحة متأخرین عن غیرهم بحوالی ستین سنة على الأقل. یُضاف إلى ذلک أن هذا الجیل کان فتی السن ویفتقد للتجارب اللازمة، فکُتَّاب العقد الأول بعد انتصار الثورة الإسلامیة حدیثو السن ویفتقدون للتجربة الاجتماعیة. إنهم لم یعایشوا الوقائع التی جرت فی العقود السابقة وانتهت بالثورة. وحتى عمرهم الفتی لم یکن یؤهلهم لتعویض هذا النقص، لذلک فإنهم لم یکونوا یهتمون بالکتابة الروائیة للکبار. أما الکتاب الکبار فی الجیل السابق فإما أنهم لم یکونوا مع الثورة الإسلامیة وإما کانوا معارضین لها، لذلک لم یریدوا أن یصرفوا تجاربهم فی الکتابة حول هذه الثورة. والذین کتبوا منهم حول الثورة کتبوا ذلک بعد نجاح الثورة بسنوات عدیدة وبالتالی حرّفوا وقائع الثورة. یعنی ذلک أن الذین کانوا یمتلکون تجارب مهمة فی هذا الفن لم یؤلفوا شیئاً عن الثورة، والذین کانوا یریدون الکتابة لم یستطیعوا بسبب الإمکانات المادیة وضیق الوقت.
بعد انتصار الثورة بسنة و بضعة أشهر (سبعة أو ثمانیة) بدأت الحرب العراقیة الإیرانیة المصیریة فکان من اللازم تجنید کل الإمکانیات والطاقات المادیة والمعنویة للحرب. وکانت مسؤولیة إدارة الشؤون الثقافیة والفنیة تقع على کاهل أهل القلم من الملتزمین. لذلک فقد وجَّه الکتاب المذکورون اهتمامهم الکامل صوب هذا الموضوع الجدید أی "الدفاع المقدس". وهذا ما یفسر توفرنا حالیاً على آثار مهمة حول "الدفاع المقدس" سواء من الناحیة الکمیة أو الکیفیة.
وحین وضعت الحرب الإیرانیة العراقیة أوزاها کانت قد خلقت فجوة ذهنیة کبیرة تمتد عشر سنوات من تاریخ نجاح الثورة، لذلک کان من الصعب بالنسبة للکاتب من الناحیة الذهنیة العودة إلى ذلک العالم الخاص. أضف إلى هذا أن طیفاً مهماً من الجیل المرتبط بالثورة بدأ یتشکل فی ذهنه استحالة العودة الفکریة إلى ذلک العهد وبالتالی استحالة دخول ساحة الأدب القصصی الثوری. کما أن مثل هذه الآثار لم یعد لها مخاطب، إذا أضفنا إلى ذلک التدنی الحاصل فی معدل نشر الکتب والذی جعل عدداً مهماً من کُتَّاب جیل الثورة یحجم عن الکتابة بصفتها عمله الأول والأصلی و ینصرف للکتابة فی المواضیع التی تذر علیه أرباحاً أکثر وبوتیرة أسرع. إذا علمنا ذلک فسیسهل علینا إدراک أسباب هذا الرکود فی الکتابة. 

ليست هناك تعليقات: