ريادة محمد علي جمالزاده في الأدب الفارسي المعاصر

صدر مؤخراً العدد 317 من مجلة "أفكار" التي تصدرها وزارة الثقافة الأردنية، واشتمل العدد على دراسات حول الأدب الفارسي من خلال مجموعة من المقالات، من بينها مقالي المعنون بـ(ريادة محمد علي جمالزاده في الأدب الفارسي المعاصر) إضافة إلى (نظرة إلى النقد الأدبي الفارسي للدكتور نور محمد القضاة)، و(الكاتبات الإيرانيات) لروزيتا قنبوبور، و(الرواية الاجتماعية في إيران (النشأة والتطور) للدكتورة هويدا عزت محمد...


ومما جاء في المقال :
تعتبر المرحلة المعاصرة من الأدب الفارسي التي عاش ونشأ فيها القاص الرائد محمد علي جمالزاده، مرحلة النثر بامتياز، وخاصة القصة القصيرة والرواية، لما شهدته هذه الأجناس من ازدهار لم يسبق أن تحقق من قبل على صعيد المضمون والأسلوب على حد سواء.
إذن، فقد أصبح الأدب الفارسي عموماً والقصصي على وجه الخصوص، في العصر القاجاري، الذي عاش في أحضانه محمد علي جمالزاده، مرآة تعكس الآمال والطموحات والشعور بالحاجة إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية واللغوية، وقطع الاعتماد على البلدان الأجنبية.
هذا، ويرجع الفضل في التحول الأدبي والأسلوبي في هذه الفترة، وقبل مجيء جمالزاده، إلى شخصيات عديدة نذكر منها كلا من قائم مقام فراهاني، الذي تميز بأسلوبه البسيط والجميل والموجز والخالي من المفردات الصعبة، وكذلك ميرزا جعفر وميرزا حسن فسايى ومجد الملك، ورضا قلى خان هدايت وعبد الحسين الكرماني وعبد الرحيم طالبوف وزين العابدين المراغي، وغيرهم كثير، ممن لعبوا دوراً جديراً بالملاحظة في تطور النثر والأسلوب الفارسي خلال العصر الحديث. فبالرغم من أن آثار بعضهم لا تتميز بقيمة أدبية كبيرة، إلا أنهم طرحوا من خلالها أفكاراً جديدة، امتازت بأسلوب جديد أيضا. فعبد الحسين الكرماني المعروف بـ"ميرزا آقاخان" كان ذا أسلوب مؤثر ومتميز بروح التمرد، التمرد على الجهل والأوهام والخرافات الناجمة عن استبداد ناصر الدين شاه قاجار. أما عبد الكريم طالبوف بكتابه "السفينة الطالبية" فقد أثر، بشكل واضح، في زمانه، على الأذهان وعلى الأدب الفارسي. ويعدُّ كتاب "سياحتنامه ابراهيم بيك" تأليف زين العابدين المراغي، من بين الكتب التي كانت ذات تأثير كبير على حركة الأدب الفارسي الحديث. فلا يخفى موقع الاتجاه الروائي من الحركة النثرية والأدبية المعاصرة، فقد حظيت المؤلفات القصصية باهتمام، ربما طغى على باقي الاهتمامات، أو بتعبير آخر فإن النثر الفارسي قد وقع خلال سنوات 1919- 1930 تحت هيمنة القصة القصيرة والرواية. ويمكن القول بأن "رند و رند" [خزعبلات] لعلي أكبر دهخدا، التي كانت تنشر في صحيفة «صور إسرافيل»، كانت طليعة تجربة ناجحة على صعيد كتابة القصة. إلا أنه لم يهدف إلى تقديم قصة لقارئه، غير أنه كان يعير اهتماماً خاصاً للإيقاع واللحن والنبرة، وسعى إلى أن يقدم كل شخص بلسانه ومستوى تفكيره. ولا شك أن القصة القصيرة في إيران قد بدأت بمجموعة "يكى بود يكى نبود" [كان يا ما كان] لمحمد علي جمالزاده التي صدرت في العام 1922. وكانت مجموعته هذه بداية لظهور القصص الحديثة، وفقاً للتعريف الفني والمعاصر للكلمة، وفتحاً في عالم القصة المعاصرة في إيران، ليس بسبب احتوائها على مجموعة من القصص القصيرة فقط، بل لأن ديباجة هذه المجموعة نفسها هي بمثابة بيان أدبي يرسم في ذهن كتّاب ذلك العصر رؤية جديدة، ويشجعهم على كتابة القصة والرواية وفق الأسلوب الغربي، فتشجيع الكتّاب وحثّهم على الكتابة البسيطة والسلسة كان من النقاط المهمة في هذه الديباجة. وقد تبلور أسلوبه في الاستخدام الحر للتعابير الاصطلاحية والأمثال الشعبية والعامية لإضفاء صبغة الحوار على لغته. وقد أدى ذلك إلى اختراع أسلوب أدبي جديد، كان له الأثر الكبير على الكتابات النثرية فيما بعد، واقتفى أثره العديد من القصاصين والروائيين بعده. ويعد صادق هدايت، ورغم اتجاهه الفكري الغامض والمضطرب، من أبرز الناثرين والقاصين الإيرانيين خلال القرن العشرين، وقد خطى خطوات واسعة على الطريق الذي افتتحها جمالزاده، وحقق تطوراً كبيراً في المدرسة القصصية التي أسسها. وبرع كثيراً في استخدام لغة الحوار العامي، على غرار ما فعله جمالزاده. ومن بين من اقتفى أثر جمالزاده كذلك، القاص والروائي بزرك علوى، الذي اشتهر بروايته "شمهايش" [عيناها التي تُعد أول عمل كبير له ككاتب روائي. ويُعد جلال آل احمد من رواد مدرسة جمالزاده أيضا، ومن أكثر الكُتّاب شعبية في إيران.
يعتبر سيد محمد علي جمالزاده، أبو القصة الفارسية الحديثة، في اعتقاد العديد من أصحاب الرأي، ناقداً حصيفاً وكاتباً مؤثراً في مسار القصة في إيران، إذ تمكن في وقت قصير أن يطبع جيل الشباب في عصره ببصماته الخاصة، وإن وُجد قبله آخرون كزين العابدين مراغي وطالب زاده وفتحعلى آخوندزاده، وغيرهم ممّن تركوا آثاراً ونشروا كتباً. لكن الأسلوب الذي استعمله جمالزاده، والذي يُعدُّ مزجاً وتلفيقاً بين أسلوب القصة الغربية وأسلوب القصة الإيرانية، وضعه على رأس الجيل الأول للقصة في إيران ومنحه لقب الرائد في عصره.