حكاية الشمع والفراشة
شبى ياد
دارم كـه ﭼشمــم
نخفت
|
|
شنيـدم كـه ﭘروانـه بـا
شمع گفت
|
كه مـن عاشقـــــــــم گر بسوزم رواســــــت
|
|
تـرا گريه
و سوز بارى ﭼراست
|
بگفت اى هـوادارِ مسكيـنِ مـــن
|
|
برفـت انگبيـنِ
يــارِ شيرينِ مـن
|
ﭼو
شيرينى از من به
در مى رود
|
|
ﭼو
فرهـادم آتش به
سر مـى رود
|
همى
گــفت وهـــر لحظــــه سيـــلابِ درد
|
|
فـرو مى دويدش بـه رخسارِ
زرد
|
كه اى مدّعى عشـق كـارِ تو نيست
|
|
كه
نه صبر دارى نه يـاراى ايست
|
تو
بگريزى از ﭘيش يك شعلـه خـام
|
|
مــن
استاده ام تـــا بســـوزم
تمـام
|
ترا آتـش
عشق اگر ﭘـر
بسوخت
|
|
مرا
بين كه
از ﭘاى تا سر بسوخت
|
نرفتـه
ز شـب همچنان بهـــره اى
|
|
كـه ناگـه
بكشتـش ﭘــرﻳﭼهــره اى
|
همى
گفت و مى رفت دودش به سر
|
|
كه اينست
ﭘايانِ عشــق اى پـــسر
|
ره اينست
اگــر خـواهى آموختن
|
|
بـكشتن
فــرج يابـى از ســـوختــن
|
مکن
گريه
بر كورِ مقتولِ دوست
|
|
قل الحمد
لله كه مقبـــولِ اوست
|
اگر
عاشقى سر مشوى
از مرض
|
|
ﭼو
سعدى فرو شوى دست ازغرض
|
فدائــى ندارد
ز مقصـود ﭼنـــگ
|
|
وگر
بر سرش
تير بارند و سنــگ
|
بــه دريـا مــرو
گفتمت زينهــار
|
|
وگر مى روى
تن به طوفان ﺳﭘار
|
من ديوان "بوستان" لسعدي الشيرازي
المعجم :
شبى
: مركبة من "شب" بمعنى الليل و
"ى" ياء النكرة.
ياد دارم
: فعل مضارع من مصدر "ياد داشتن" ﴿أن يتذكر﴾ مصرّف مع ضمير المفرد المتكلم بمعنى
"أتذكر".
ﭼشمم
: ﭼشم +
ـَم ، أي : عيني.
نخفت
: فعل ماض بسيط منفي من مصدر "خفتن" ﴿أن ينام﴾، بمعنى "لم تنم عيني".
ﭘروانه
: فراشة.
عاشقم
: عاشق + ـَم ، أي : عاشق هستم.
گر
: مخفف "اﮔر" بمعنى "لو".
بسوزم
: بـ + سوز + ـَم، الباء باء الوجه الإلتزامي،
"سوز" جذع المضارعة من مصدر "سوختن" ﴿أن يحترق﴾، والميم ضمير متصل يعود على المتكلم المفرد. والمعنى
: لو أحترقُ.
رواست
: روا است، "روا" بمعنى جائز ومباح. و"است"
رابطة.
ترا
: تو را. "را" في هذا التركيب ليست
علامة المفعولية لأن الجملة ليست فعلية. وسبقت الإشارة إلى أن اللاحقة
"را" لها وظائف أخرى غير علامة المفعولية في الفارسية، فهي تأتي حرف
إضافة كما تأتي لفك الإضافة. وفي هذا التركيب جاءت بالمعنى الأخير، أي لفك
الإضافة. فجملة " ترا ﮔريه
و سوز بارى ﭼراست
؟ " بفك الإضافة تصير : "ﮔريه و سوزِ تو بارى ﭼراست ؟" بمعنى : "لمَ بكاؤك واحتراقك
إذن ؟ "
بگفت
: الباء زائدة ، كانت تلحق الفعل الماضي في الأسلوب
القديم.
اى
: حرف نداء ، "يا".
هوادار
: عاشق ، محب.
برفت
: الباء زائدة، "رفت" : فعل ماض مصرّف مع
الضمير المفرد الغائب، من مصدر "رفتن" ﴿أن يذهب﴾.
انگبين
: شهد، عسل.
يار
: حبيب، صاحب.
شيرين
: حلو.
ﭼو
: مخفف "ﭼون" بمعنى "إذا / لو"
به در مى رود
: فعل مضارع إخبارى من مصدر "به در
رفتن" ﴿أن
يخرج / أن يذهب / أن يترك﴾.
ﭼو
: مخفف "ﭼون" هنا بمعنى "مثل".
فرهادم
: فرهاد هستم، و"فرهاد" راعٍ كان يرعى
الغنم في جبل "بيستون" بالقرب من قصر الملك الساساني "خسرو أنو
شيروان". وقصة عشقه لـ"شيرين"، جارية خسرو أنو شيروان ومعشوقته
الفاتنة الجمال، مشهورة في الأدب الفارسي شهرة "ليلى والمجنون" في الأدب
العربي.
به سر مى رود
: فعل مضارع إخباري من المصدر "به سر
رفتن" ﴿أن تعلو الرأس / أن تشتعل في
الرأس﴾.
همى گفت
: مى ﮔفت، فعل ماض استمراري من المصدر "ﮔفتن" بمعنى "كان يقول".
سيلابِ درد
: سيلُ الألم، كناية عن البكاء الشديد المؤلم، وهو
تشبيه صريح.
فرو مى دويدش
: عبارة فعلية مركبة من : فرو + مى + دويد + ش. والمصدر
هو "فرو دويدن" ﴿أن
ينهمر / أن يسيل﴾..مصرّف
في المضارع الإخباري. والشين ضمير متصل يعود على "سيلابِ درد".
رخسارِ زرد
: الوجه الأصفر، كناية عن الوجه الشاحب من شدة
البكاء والحزن.
ياراى ايست
: "ياراى" بمعنى الثبات والقدرة على
الصمود.
ﺑﮔريزى
: فعل مضارع من مصدر "ﮔريختن" ﴿أن يفر﴾، بمعنى "تفر".
استاده ام
: قد وقفتُ، فعل ماض نقلي من المصدر
"ايستادن" ﴿أن
يقف﴾.
ترا آتش عشق...
: "آتش عشق اﮔر ﭘر تو را بسوزد" بمعنى لو تحرق نار العشق
جناحك...
مرا بين
: "من را ببين" أي
"أنظر إليّ أنا".
نرفته
: نرفته است، فعل ماض نقلي من مصدر
"رفتن" ، لم يذهب.
بهره اى
: "بهره" بمعنى نصيب أو
جزء.."اى" علامة النكرة.
ناگه
: مخفف "ناﮔاه" أي فجأة.
بكشتش
: بـ + كشت + ـَش ، الباء زائدة ، "كشت"
فعل ماض بسيط من مصدر "كشتن" ﴿أن يطفئ﴾، الشين ضمير متصل يعود على الشمع.
ﭘرﻳﭼهره اى
: ذات وجه ملائكي، حسناء.
دودش
: دود + ـَش ، بمعنى دخانه، الضمير يعود على
الشمع.
فرج يابى
: فرج مى يابى، بمعنى تجد الفرج، وهو فعل مضارع
إخباري من مصدر "فرج يافتن" ﴿أن يجد الفرج﴾.
مكن گريه
: ﮔريه
مكن، ﮔريه
نكن، صيغة النهي من مصدر "ﮔريه
كردن" ﴿أن
يبكي﴾.
گور
: قبر.
مقتولِ دوست
: قتيل الحبيب، القتيل الذي يُقتل في سبيل الوصول
إلى الحبيب.
عاشقى
: عاشق هستى.
سر مشوى از مرض
: سر نشوى از مرض، صيغة النهي من مصدر "سر
شستن" ﴿أن
يغسل الرأس﴾،
بمعنى "لا تغسل الرأس من المرض" كناية عن النهي عن طلب الشفاء من مرض
العشق.
فرو شوى
: فعل أمر من مصدر "فرو شستن" ﴿أن يغسل﴾، بمعنى "اغسل".
فدائى
: الفدائي الذي يقدم التضحيات، المضحي.
ندارد ز مقصود ﭼنك
: بمعنى لا يكف عن طلب مقصوده ويتشبث بمراده.
تير بارند
: "تير" : سهم. "بارند" : فعل
مضارع إخباري محذوف "مى" من مصدر "باريدن" ﴿أن يمطر﴾. والمعنى : يمطرون السهام والنبال.
سنگ
: حجر.
مرو
: نرو : لا تذهب، فعل أمر من
مصدر "رفتن".
گفتمت
: به تو ﮔفتم. أي : قلتُ لك.
زينهار
: حذارِ.
تن به طوفان سپار
: أودع الجسم للطوفان. "ﺴﭘار" فعل أمر من مصدر "ﺴﭘردن" ﴿أن يودع﴾.
شرح وتحليل :
القصيدة التي بين أيدينا
مقتطفة من ديوان "البستان" لسعدي الشيرازي، وقد ألفه وهو في سن
السبعين، وفرغ من تأليفه سنة 655هـ.
يتجاوز عدد أبيات البستان
أربعة آلاف بيت في قالب "المثنوي" أي "المزدوج" وهو من القوالب الفارسية الأصيلة،
وقد حقق نجاحاً منقطع النظير في الأدب الفارسي، ونظمت به أعظم روائع الأدب الحماسي
والغنائي والعرفاني والتعليمي، مثل شاهنامة الفردوسي، وخمسية النظامي، ومثنويات
جلال الدين الرومي، ومنطق الطير لعطار النيشابوري،
إضافة إلى بستان سعدي.
ويعد المثنوي من أقدم ضروب الشعر الفارسي، وقد أخذه
العرب عن الإيرانيين حسبما جاء في صاحب "الميزان الوافي": «ولم يكن للمتقدين
من العرب إلا القطعات والقصائد، والمتأخرون أخذوا سائر أنواع الأبيات من العجم كالرباعي
المشتهر بالدوبيت والمزدوجة المعروفة بالمثنوي».
ويقال للمثنوي،
المزدوج أيضا. وهو عبارة عن أبيات شعرية على وزن واحد غير أن كل شطرين منها على قافية
واحدة.
والمثنوي
من حيث الإنشاد أسهل أنواع الشعر. فالشاعر لا يجد صعوبة فيه من حيث القافية. لهذا يستخدم
هذا النوع من الشعر غالباً في الحكايات والأساطير والوقائع التاريخية.
والمثنوي
ينظم على أوزان مختلفة أشهرها المتقارب الذي نظمت فيه الشاهنامة وبستان سعدي (فعولن فعولن فعولن فعول﴾.
ويعزو الدكتور
شفيعي كدكني عدم استخدام شعراء العرب لهذا القالب الشعري إلى أن موسيقى القوافي في
قالب المثنوي ليست في حد الإشباع والكفاية بالنسبة للعرب. فتغير القافية السريع لا
يبقي ـ ضمن إطار الذوق العربي ـ مجالاً لاستمرار موسيقى القوافي، ولا يحصل السامع
على اللذة الناجمة عن توالي القوافي. ومن هنا نفهم أيضا مدى تفاوت أهمية القافية في
شعر اللغتين الفارسية والعربية. فقوافي المثنوي كافية من وجهة نظر الإيراني لإعطاء
موسيقي كاملة وإشباع الذوق ورسم الصورة الفنية، في حين لا يشعر العربي بمثل هذا الشعور.
وكان هذا هو السبب الذي حرم العرب من أن تكون لهم آثار ملحمية عظيمة على غرار الشاهنامة،
على اعتبار أن توالي القافية الواحدة ليس بإمكانه أن يصوغ مثل هذه الآثار التي وصلت
أبيات بعضها إلى أكثر من 60 ألف بيت شعر.
"بستان" سعدي
مثنوي أخلاقي واجتماعي أفرغ فيه شاعرنا كل مهاراته ومواهبه الربانية ليبلغ
رسالته التاريخية بأفكار متسامية. فهو بشجاعة وشهامة منقطعة النظير يخاطب الملوك والأمراء وحكام العصر ويدعوهم إلى العدل والإحسان وينبههم بمرور الزمان وانتهاء الجاه والجلال والسلطان وتغيير الأحوال..وهذا النوع من النصح فيه من
الشجاعة ما فيه، وهو غير مسبوق لا في الأدب الفارسي فحسب وإنما في الآداب
العالمية أيضاً. ولهذا يمكن اعتباره نموذجاً ودليلا على الفكر الحر والثقافة والفضيلة التي تميز بها صاحبه.
كتاب "البستان" يتوخى تحقيق أهداف تربوية
أيضاً،لذا يعتبر إكمالاً لما بدأه السابقون عليه كفريد الدين العطار.
* * *
الأبيات هي حكاية مخاطبة الشمع للفراشة وقصة الفراشة والشمعة،
مضمون تكرر استخدامه من قبل شعراء الفارسية لاسيما منذ أيام سعدي فما بعد، ويعود
ظهور هذا التمثيل في الشعر الفارسي إلى القرن الرابع الهجري وإن لم يكن شائعاً حتى
منتصف القرن الخامس والسبب في ذلك يعود إلى أن فهم هؤلاء الشعراء لقصة الفراشة والنار لم يكن فهماً عرفانياً كما هو الحال عند الحلاج ولا فهماً غراميا كما هو
الحال عند أحمد الغزالي.
وهناك
بشكل عام فهمان أخلاقي وعرفاني غرامي لقصة الفراشة والشمعة، وقد انعكس هذان
الفهمان على الشعر الفارسي أيضا.
والفهم
أو النموذج الغرامي في الأدب الفارسي، قدمه أحمد الغزالي لأول مرة في كتابه
"سوانح العشاق" على أساس طواسين الحلاج. وله رباعية أنشدها وفق فكرة
التصوف العجين بالحب، ومما ورد فيها:
إذا كان صدغك سلسلة، فأنا
مجنون وإذا كان حبك نار، فأنا فراشة
وأورد أحمد
الغزالي هذه الرباعية في السوانح دون أن ينسبها لأحد. وهناك رباعية أخرى يبدو أنها
لشاعر آخر تحدث فيها عن قصة الفراشة والنار:
الحب ينبع من
اللقاء من سقوط العين على العين
ما أكثر الطيور الساقطة في شباك الطمع والفراشة
سقطت في النار طمعاً في النور. والنقطة التي أراد الشاعر أن يكشف عنها في هذه
الرباعية هي طريقة ظهور الحب: الحب يبدأ منذ لحظة رؤية وجه الحبيب، وهذا نفسه ما
أراد سعدي تبيانه في هذه الأبيات مع التأكيد على غرور الفراشة بهذا الحب، وهي ترمز
للمحب المبتدئ أي الخام الذي لم ينضج بعد. فهي تعتدّ بنفسها وتفتخر بهذا الحب.
الفراشة تطمع بنور أكبر حينما تلمح النور، غير أنها تسقط آخر المطاف في مصدر النور
– الذي هو النار – وتحترق. ويبدو أن سقوط الفراشة في هذه الرباعية عاقبة وخيمة
لم تتنبأ بها الفراشة، مثلما هو الحال بالنسبة للطيور التي قادها طمع رؤية الحبيب
نحو السقوط في الفخ. ولاشك أن هذا المعنى ينطبق مع النموذج الأخلاقي الذي يعدّ
سقوط الفراشة في النار حدثاً مزرياً يقف وراءه الجشع والجهل.
والسؤال الذي يبدو طرحه مهماً هنا على صعيد تحويل المعاني والمفاهيم في الشعر
الفارسي هو: هل أن الشعر الفارسي الذي سبق أحمد الغزالي قد اتخذ من التصوير
الخيالي للفراشة واحتراقها في النار مثلاً أعلى للسلوك الغرامي الذي يستحق الإشادة.
أقدم النماذج
الشعرية التي أشارت إلى قصة الفراشة والنار، بيت شاعر من القرن الهجري الرابع يُدعى
أبا شكور البلخي:
اتعظ كي لا يكون يومك أسوداً ولا تحرق نفسك كالفراشة
ولا يحمل
هذا البيت – كما نرى – أي معنى عرفاني،
ويفسر احتراق الفراشة بالنار تفسيرًا ينم عن الاستهجان والتقريع.
وللشاعر
منوﭼهر الدامغاني (ت432هـ) قصيدة
تحمل عنوان «لغز الشمع» أنشدها في مدح الشاعر عنصري وأشار فيها إلى الشمع، ووصفه بالعاشق
الذي حبيبه الطست، غير أنه لم يتحدث فيها عن حب الفراشة للشمع لأنه لا يعتبرها عاشقة
ولا يعدّ عملها عملاَ يعبر عن حب وتفان. كما أن النار من وجهة نظره ليست بالشيء الذي
يستحق الحب، وإنما عنصر مهلك ماحق. والفراشة ليست سوى كائن أبله. ويدلل على هذا البله
اقترابها من النار واحتراقها فيها.
ويتفق معه
في موقفه من الفراشة، الشاعر الفارسي الآخر مسعود سعد سلمان (ت515هـ)، حيث يقول:
"لا تتصور أنني عدو
لنفسي كالفراشة"
وهذه النظرة السلبية إلى عمل الفراشة ووصفها بالحمق
والبلاهة والجشع، ربما هي التي دفعت بالشعراء الأوائل إلى قلة التحدث عنها، لكن ما
أن طرحت النظرة الصوفية العرفانية التي بلورها أحمد الغزالي، والتي رأت في عمل الفراشة
عملاَ فدائياً وأنها ليست كائناَ جشعاَ أو أبلهًا بل مظهراً للحب والوفاء، حتى تغير
الوضع تماماَ، فانطلق الشعراء نحو الفراشة للإطراء عليها والإشادة بها واعتبارها
نموذجاَ للمحب المتكامل.
*
* *
لكن سعدي في هذه
الأبيات التي ندرسها ينظر إلى الفراشة بوصفها عاشقاً في أول الطريق، وهي في نظره
ترمز للمريد الذي لم ينضج بعد ولم يتذوق طعم العشق الحقيقي، وتفصله عن الوصول إلى
الحقيقة المطلقة أودية كثيرة، ولعل أكبر حاجز بينها وبين المعشوق هو الغرور والاعتداد بالنفس. لذا يجري سعدي حواراً بينها وبين الشمعة يحكي فيه كلاهما قصة
عشقه ومعاناته في سبيل الوصول إلى المعشوق ليخلص في الأخير إلى أن الشمع أشد
عشقاً.
ويستهل الشاعر هذه الأبيات مقرراً أنه يتذكر
إحدى الليالي لم تنم فيها عينه بعد إذ سمع حواراً يدور بين الشمعة والفراشة،
تستنكر فيه هذه الأخيرة احتراق الشمع وذرفه للدموع : " إذا كنتُ أنا أحترق
بنارك فلأني عاشقة ولدي ما يبرر هذا الفعل، لكن ما بالك أنت تحترق وتذرف الدموع
؟ ". فتجيب الشمعة قائلة : "أيتها العاشقة المسكينة، لقد ذهب الحبيب
الذي كنت أحتضنه وبقيت وحيداً، فُصلتُ عن العسل وحين رحل هذا المعشوق أصبحت
كفرهاد يخرج الدخان من رأسي ويحترق قلبي".
بينما يحكي الشمع قصته للفراشة
ينساب من آماقه سيلٌ من الدموع المحرقة منهمرة على خدوده الشاحبة : "أيتها
المدعية المغرورة، أنت لا تمتين إلى العشق بصلة، لأنك تفتقدين إلى الصبر والصمود
والثبات، أنت تفرين من شعلتي، فمازلت في أول الطريق، أما أنا فأبقى ثابت القدم
إلى أن أُحرق بالكامل. فإذا كانت النار تحرق جناحك فقط فانظري إلي أحترق فيها من
فوق إلى تحت ".
مازال لم يمض من الليل إلا قليل لتمتد يد حسناء
لإطفاء الشمعة ويتصاعد من رأسها الدخان : "أيتها السالكة طريق العشق، نهاية
الحب هي هذه".
إذا كنت ترغبين في التعلّم وأخذ الدروس فالسبيل إلى ذلك هو أن تستسلمي للانطفاء لأنه نهاية العشق وفيه يكمن
الفرج، فسبيل النجاة من الاحتراق هو الانطفاء، فهو آخر منازل العشق وفيه يحصل
الوصال، لأنك بالانطفاء تتخلصين من كل المتعلقات وتفنين في ذات المعشوق خالدة.
لذا يجدر بك ألا تبكي على قبر
قتيل العشق بل احمدي الله على أن نال الفناء من الدنيا ليخلد في البقاء الأبدي مع
معشوقه.
إذا كنتِ عاشقة حقاً كما
تدّعين فلا تطلبين الخلاص من مرض العشق، وكوني مثل سعدي واقطعي صلاتك بكل
الأغراض الدنيوية والمشاغل الدنيئة ولا تتمني غير لقاء الحبيب، لأن العاشق
المفتدي لا يتوانى عن طلب مراده بل يتشبث به أشد ما يكون التشبث، ولا يبغي عنه
سبيلا ولو أمطروه نبالاً وحجارة. وإن لم تكوني فاسمعي نصحي ولا تقربي البحر
لأن قربه محذور العواقب، وإن فعلتِ فإنك تودع نفسك الطوفان وترمي بها إلى
التهلكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق