الترجمة الأدبية من الفارسية إلى العربية ومشكلاتها


شکلت الترجمة من لغة إلى أخرى أنجع ما توصلت إلیه البشریة من وسائل اتصال و أعمها فائدة، و کانت هی الوسیلة لأن تقف الغالبیة فی کل مجتمع على أحوال الأمم الأخرى و أنماط حیاتها و طرائق تفکیرها و أوضاعها الثقافیة و الأدبیة. لذلک مورست الترجمة فی مختلف أنحاء العالم و على مر الأزمنة، و کانت الوسیلة التی تقارضت بها الحضارات أفضل إنجازاتها و أحسن مواریثها الفکریة و الثقافیة، فمن طریق الترجمة عرف الرومان التراث الیونانی و ترجموه إلى لغتهم اللاتینیة، و أقاموا به حضارتهم التی لم تکن إلا نسخة من حضارة الیونان. و لقد کُتب للغة اللاتینیة-بعد انتشار الجهل بالإغریقیة فی أروبا الغربیة- أن تکون هی اللغة الأهم فی نقل التراث القدیم إلى اللغات الأوروبیة الحدیثة، ذلک التراث الذی یعد الدعامة التی أقام علیها الأوروبیون نهضتهم و حضارتهم الحدیثة. و من طریق الترجمة وضع المسلمون أیدیهم على تراثین ثقافیین عظیمین، التراث الهیللینی الذی کان عمّر ألف عام أو أکثر، و التراث الفارسی بما ضمّ من عناصر ثقافیة شرقیة أخرى، لذلک کان من الطبیعی أن یعد دارسو الأدب المقارن الترجمة هی الوسیلة الأولى لقیام الصلات و تبادل التأثیر بین بعض الآداب و بعض.
لکن هذه الأهمیة التی یعترف بها للترجمة على أوسع نطاق لم تمنع من إثارة أقوى الشکوک حول کفایة الترجمة فی نقل کل ما فی الأصل من خصائص و سمات فکریة و ثقافیة و أدبیة، إذ لیس من الممکن لأی إنسان أن یحتفظ فی لغة غیر الأصل بکل ما فی العمل الأدبی من عواطف و صور و لفتات تعبیریة و خصائص أسلوبیة، و هذا ما سنعمل على مناقشته و طرح أبعاده فی هذه المداخلة مرکزین على الترجمة من الفارسیة إلى العربیة لما اتسمت به الأولى من غناء فی الأدب و ثراء فی الثقافة و لما ربطها بأختها العربیة من صلات و روابط متینة همّت کل جوانب الحضارة الإسلامیة.
بعد حصرنا للمشکلات التی تکمن فی الترجمة الأدبیة من حیث هی شعراً کانت أو نثراً قررنا أنها لا تعفی المترجم من مسؤولیاته ، بل إنها على العکس تعنی أن المترجم لابد أن یکون مستعداً لأداء هذه المهمة الشاقة و ذلک بتأهیل نفسه بالمؤهلات الضروریة لذلک و قد تم دراستها و تحلیلها فی هذه المداخلة.
و خلصنا أخیراً إلى أن المترجم الذی یتمتع بهذه المؤهلات و غیرها مما تطلبه الترجمة الصحیحة من الفارسیة إلى العربیة لیس مجرد ناقل بالرغم من أنه لیس مبدعاً أیضاً. إنه یقف فی منزلة تتوسط بین النقل و الإبداع. و من هنا کان فی الترجمة من العربیة إلى الفارسیة عنصر من العلم و المهارة و عنصر من الإبداع و الفن. 
رغم الأهمیة التی یعترف بها للترجمة على أوسع نطاق لم تمنع من إثارة أقوى الشکوک حول کفایة الترجمة فی نقل کل ما فی الأصل من خصائص و سمات فکریة وثقافیة وأدبیة,إذ لیس من الممکن لأی إنسان أن یحتفظ فی لغة غیر لغة الأصل بکل ما فی العمل الأدبی من عواطف و صور ولفتات تعبیریة وخصائص أسلوبیة. وکان الجاحظ من أوائل من عبروا عن شکهم فی هدا الصدد, إذ أکد أن الترجمة لا یمکن أن تؤدی کل ما فی الأصل بأمانة ودقة, لأن ذلک یتطلب توافر أمرین کلاهما مستحیل أو صعب التحقق : الأول أن یکون علم المترجم باللغة التی ینقل منها على قدر علمه باللغة التی ینقل إلیها. و قد أثبتت المشاهدة کما یقول أن الإنسان لا یتعلم لغة من اللغات إلاّ أدخلت الضیم على سابقتها. و بذلک لا تتساوى معرفة و إلمام المترجم باللغتین مطلقاً. و الثانی أن یکون علم المترجم بالموضوع الذی یترجمه على قدر علم المؤلف به. ولم یقل أحد أن مترجمی التراث الیونانی إلى العربیة فی القرن الثالث الهجری کانوا على قدر علم أرسطو و أفلاطون و غیرهما من مؤلفی الیونان.
ولم تکن الشکوک التی أثیرت حول الترجمة فی التراث الأوروبی اقل مما أثیر حولها فی التراث العربی الإسلامی. وفی الوقت الذی کانت فیه اللغة اللاتینیة هی لغة الفکر و الثقافة و الأدب فی أوروبا الغربیة کلها, کتب الشاعر الایطالی دانتی شعره باللغة الایطالیة وعلّق على بعضه کذلک باللغة الایطالیة بدلا من اللاتینیة التی کان من شانها أن تضمن له انتشارا أوسع. وقد علّل لذلک بقوله أن اللاتینیة هی الوسیلة الصحیحة لشرح هذه القصائد لا الایطالیة لأن ذلک أدعى لسعة انتشارها. غیر أن اللاتینیة لا یمکن أن تحتفظ بکل ما فی هذه القصائد من جمال, لأن أی کلام یتحقق له الانسجام من طریق التوافق الموسیقی لا یمکن أن ینقل من لغة إلى أخرى دون أن یذهب کل ما فیه من حلاوة. و هذا هو السبب فی أن هومیروس لا یمکن أن ینقل من الإغریقیة إلى اللاتینیة کما حدث بالنسبة لکتابات إغریقیة أخرى. و هذا هو السبب أیضا فی أن المزامیر لیست لها حلاوة الموسیقى و لا انسجامها لأنها نقلت من العبریة إلى الإغریقیة ومن الإغریقیة إلى اللاتینیة, وقد ذهبت حلاوتها منذ النقل الأول.
وقد نادى بالرأی نفسه الشاعر الایطالی لودوفیکو أریوستو 1474-1533 م الذی أظهر بطل ملحمته أورلاندووقد غلبه منافسه میدورو على حب أنجلیکا و سجل ذلک فی قصیدة باللغة العربیة نفسها على باب کهف, وقبل أن یقدم أریوستو ما یفترض أنه ترجمة إیطالیة لهذه القصیدة یقول أنه على یقین من أن القصیدة فی لغتها رائعة, أما فی لغته الایطالیة فإنه یعتقد بأن ترجمته لا یمکن أن تنقل القیمة الفنیة التی فی الأصل.
وهذه الشکوک التی أثیرت حول قدرة الترجمة على الوفاء بتأدیة کل ما فی الأصل لها ما یؤیدها.فالفروق بین اللغات من حیث دلالة الألفاظ و أنماط الجمل و علاقات عناصر الجملة بعضها ببعض ووظائف الأدوات..إلى آخره من الکثرة والتنوع بحیث لا یمکن لمعنى من المعانی أن یؤدى بلغة غیر اللغة التی عبرت عنه أصلا دون أن یلحقه تغییر أو تبدیل أو تحویل أو تحویر. فإذا أضیف إلى هذه الفروق ما تنفرد به اللغة الأدبیة من خصائص الکاتب الأسلوبیة ولفتاته الذهنیة و میوله العاطفیة وما یبثه فی کتابته من مزاج ونظرة إلى الحیاة والإنسان مما لا یکاد یتفق فیه مع کاتب آخر تمام الاتفاق, أدرکنا أن أولئک الذین عبروا عن هذه الشکوک لم یعدوا الحقیقة. ومع ذلک فإن هذا لم یمنع أن تکون هناک ترجمات بلغت من الجودة و أحیانا من الدقة والإتقان ما ضمن لها الخلود على الزمن وأحلها فی الأدب العالمی منزلة لا تقل عن منزلة الأصل الذی نقلت عنه. ویکفی أن نسوق الأمثلة التالیة لهذه الترجمات: 
فی القرن الثانی الهجری ترجم عبد الله بن المقفع إلى اللغة العربیة کتاب کلیلة و دمنة عن ترجمة بهلویة نقلت من أصل هندی. و بالرغم من ضیاع الأصل الهندی و الترجمة البهلویة أیضا, فإن فی مقدمات الترجمة العربیة لـ کلیلة و دمنة ما یدل على أن الأصل الهندی کانت له قیمة کبرى دفعت الملک الساسانی أنو شروان إلى أن یرسل بعثة إلى الهند فی طلب الکتاب الذی ترجم بعد ذلک إلى اللغة البهلویة فاحتل فی الأدب البهلوی منزلة رفیعة لا تقل عن منزلة الأصل الهندی فی أدبه. و قد قدر لترجمة عبد الله بن المقفع العربیة أن تحتل فی الأدب العربی منزلة رفیعة أیضاً, و أن تکون أساساً لعشرات الترجمات إلى مختلف لغات العالم إما مباشرة أو بواسطة ترجمات لغات أخرى، مما جعل للکتاب أهمیة خاصة بوصفه إحدى روائع الأدب العالمی. و مع ذلک فإن الترجمة العربیة لکلیلة و دمنة لا یمکن أن یقال إنها شدیدة الالتصاق بالأصل. فقد أضاف ابن المقفع إلیها بعض الفقرات، بل ربما بعض الأبواب و حذف منها ما رأى أنه لا یقبل لدى جمهرة قراء عصره.
و المثال الثانی ترجمة الشاعر الإنجلیزی ادوارد فیتزجرالد 1809-1883م رباعیات الخیام إلى اللغة الإنجلیزیة سنة 1859م. لقد وجد المترجم فی رباعیات الخیام بعض الأجوبة عن تساؤلاته عن معنى الحیاة و عن ما بعد الموت. و لم تکن هذه التساؤلات قاصرة على المترجم، بل کانت مما یدور فی أجواء الحیاة الحدیثة المعقدة فی عصره. و تکاد آراء الباحثین المحدثین تجمع على أن أکثر رباعیات فیتزجرالد کانت إما صیاغة جدیدة لشعر عمر الخیام أو نظرات ملفقة یمکن تتبعها إلى أکثر من رباعیة واحدة فی الأصل الفارسی. و قد استبعد المترجم بعد الطبعتین الأولى و الثانیة أکثر هذه الرباعیات التی لم یکن لها رباعیات محددة تقابلها فی الأصل. فقد اختار بعض الرباعیات و أعاد تجمیع بعضها الآخر و بذلک أضفى على ترجمته شکلاً متکاملاً. و ربما یلتمس للمترجم العذر فی ذلک بأن الرباعیات الفارسیة نفسها لا ینظر إلیها على أنها جمیعاً للخیام. فهناک رباعیات تسمى "الرباعیات الجائلة" تحمل على الخیام و على غیره من شعراء الفرس مما یجعل التحقق من عدد الرباعیات الصحیحة النسبة إلى الخیام أمراً موضوع شک. و لکن النقاد على أی حال یرون أن المترجم قد أشاع فی ترجمته جواً یختلف إلى حد کبیر عن جو الرباعیات الفارسیة، حتى إن بعضهم ذهب إلى القول أن عمل فیتزجرالد لا یعدو أن یکون شعراً إنجلیزیاً مع بعض الإشارات الفارسیة. و فی هذا قدر من المبالغة، فقد اشتهر فیتزجرالد بهذه الترجمة أکثر مما اشتهر بشعره الإنجلیزی و لا شک أن هذه الشهرة إنما ترجع إلى تلک الروح الشرقیة التی انتشرت فی الرباعیات و کانت موضوع إعجاب الأوروبیین فی ذلک العصر.
هذان النموذجان للترجمة الناجحة یختلف عن بعضها البعض من عدة وجوه. بل إنها لتختلف فی سر نجاحها و خلودها و قوة تأثیرها فی آدابها و فی الأدب العالمی بصفة عامة. فترجمة عبد الله بن المقفع مسرفة فی تحررها من الأصل، و لا غرو فهی ترجمة ترجع إلى فترة زمنیة لم یکن التقید الشدید بالأصل فیها مما یفرض على المترجم. بل ربما تکون هذه الحریة من أهم أسباب قبول الجمهور للکتاب، و إذ کان فی الأصل –فیما یبدو- مما لا یتفق مع عقائد المجتمع المسلم و تقالیده فی القرن الثانی للهجرة، و قد بقیت آثار من ذلک فی مقدمة باب "برزویه الطبیب"أنکرها بعضهم على المترجم. و لم یکن تحرر ابن المقفع من الأصل تحرراً کاملاً، فقد کان على قدر لا بأس به من الوفاء لشکل الکتاب. و قد فرض علیه أسلوب الأصل أن یستبدل بالجمل القصیرة الشدیدة الالتصاق بالواقع التی تمیز بها النثر العربی إلى زمن المترجم جملاً متوازنة واضحة المعنى رغم ازدحام الأفکار و تعقد الترکیب فیها. و لقد کان صنیع ابن المقفع هذا إیذاناً لا بتغیر أسلوب النثر العربی فحسب بل إلى نشأة النثر الفنی بالمعنى الخاص فی اللغة العربیة.
و فی ترجمة رباعیات الخیام إلى الإنجلیزیة وجد المترجم فیتزجرالد نفسه أمام نص شعری فارسی مضطرب من حیث نسبته إلى قائله. و بذلک لم یکن فی وسعه أن یحقق ذلک المطلب الذی تفرضه الترجمة الحدیثة و هو الوفاء لمضمون الأصل على الأقل. و قد حاول أن یصلح من عدد الرباعیات التی ظن أنها صحیحة النسبة، و أن یعید ترتیبها لکی یضفی على ترجمته –کما مر- شکلاً متکاملاً. أما روح الحیرة و الشک التی تمیز الأصل الفارسی فقد ساعد المترجم على الإبقاء على جو مماثل فی ترجمته لروح الرومانتیکیة التی کانت سائدة فی عصره. فالروحان متقاربان و لکنهما غیر متحدین تماماً، لأن صوفیة الخیام التی تظهر و تختفی فی رباعیاته تختلف عن اتحاد الرومانتکیین الأوروبیین بالطبیعة.
و لکن مع تعدد أوجه الاختلاف بین هذه الرائعتین، فإننا نستطیع أن نتلمس بعض أوجه الاتفاق بینهما. بل ربما تکون أوجه الاتفاق هذه هی سر نجاح هذه الترجمات و خلودها على الزمن. و لعل أهم أوجه الاتفاق بینهما أمران : أولهما أن أیّاً من هذین الترجمتین لم یصر على النقل کلمة بکلمة، أو بعبارة أخرى لم یصر على الترجمة الحرفیة. ذلک أن الاختلاف بین اللغات، الذی سبقت الإشارة إلیه منذ قلیل یجعل من الترجمة الحرفیة مصدراً للتشویه و سبباً للتعقید بدلاً من جعل الأصل واضحاً قریباً من الأفهام. لقد أصبح البعد من الترجمة الحرفیة مبدأً عاماً و مقرراً یحکم کل ترجمة تطمح أن تدعی لنفسها أی قدر من النجاح. و الأمر الثانی أن هذه الترجمات جمیعاً حرصت على أن تستخدم لغة معاصرة لها، لأن لغة الأصل کتبت لعصر سابق و قد یکون فیها –بل لا بد أن یکون فیها- من الخصائص الأسلوبیة و اللفتات التعبیریة و طرق التصویر ما یجعلها غریبة عن القارئ. و من أهم مقومات الترجمة الصحیحة أن تکون مقروءة. و مع أن الإجماع یکاد ینعقد على هذین المبدأین فإنه لا یمکن القول بأنهما حلاّ مشکلات الترجمة، بل ربما یکونان قد خلقا من المشکلات أکثر ممّا حلاّ. إن کثیراً من الأسئلة لا یزال ینتظر الأجوبة. فإلى أی حد –مثلاً- یکون البعد من الحرفیة فی الترجمة الجیدة ؟ و إلى أی مدى یکون استخدام لغة الحیاة المعاصرة ؟ عن هذین السؤالین أجاب کل عصر بطریقته الخاصة.
و على ذلک فإن الإجابة الصحیحة بالنسبة لنا إنما هی تلک التی یقدمها عصرنا. إن ذلک کله یکشف بوضوح ما تنطوی علیه الترجمة من حیث هی ترجمة من صعوبات و مشکلات و هذا ما اعترف به أساطین الترجمة فی کل العصور. بل إن المشکلات لا تکمن فی المترجم بقدر ما تکمن فی الترجمة ذاتها. تتضح هذه المشکلات بشکل جلی فی الخلافات الواسعة بین المترجمین فی مختلف الأجناس الأدبیة، فیما یتصل بالشروط التی یرون التزامها فی کل فن. و ربما یکون من العسیر أن نتتبع آراء المترجمین و أسالیبهم فی الترجمة بالنسبة لکل فن أدبی على حدة. و یکفی لهذا الغرض أن نقسم الترجمة إلى نوعین : ترجمة الشعر و ترجمة النثر، لأن کل الأجناس الأدبیة تندرج بطبیعة الحال تحت هذین النوعین. إن عدداً کبیراً من المترجمین یرى أن الشعر ینبغی أن یترجم شعراً، لأن الخصائص التی یتمیز بها الشعر عن النثر هی مکونات أساسیة فی طبیعة النص الشعری و لیست مجرد إضافات للتحسین یمکن أن یستغنى عنها. و مع ذلک إن إهمال هذه الخصائص الجوهریة من قبل المترجم یعد إهمالاً لجزء جوهری من العمل الذی یترجمه. بل إن بعض هؤلاء الذین یصرون على ترجمة الشعر إلى شعر لیذهب إلى مدى أبعد من هذا بشرط أن یبقی المترجم على الوزن و نظام القافیة اللذین استخدمهما الشاعر. و من الواضح أن هذا الشرط ربما یمکن الوفاء به إذا تمت الترجمة بین لغتین تنتمیان إلى تراث واحد، و من ثم تشترکان فی نظام عروضی واحد کما هو الشأن فی اللغتین العربیة و الفارسیة. أما بالنسبة للغات التی تنتمی إلى مواریث ثقافیة مختلفة و لا تشترک فی نظام عروضی واحد فإن الوفاء بهذا الشرط یعد ضرباً من المستحیل. إذ کیف یمکن الحفاظ على الوزن و نظام القافیة فی قصیدة عربیة مثلاً عند ترجمتها إلى شعر إنجلیزی أو فرنسی أو العکس ؟ غیر أن مترجمین آخرین لا یقلون أهمیة عن هؤلاء رأوا أن الاحتفاظ بالوزن و القافیة المستخدمین فی الأصل أمر من الصعوبة بمکان، و یکفی فی رأیهم أن تکون الترجمة شعریة أیّاً کان وزنها و قافیتها. بل إن فریقاً ثالثاً من المترجمین ذهب إلى جواز ترجمة الشعر إلى نثر. و سیتبین لنا من خلال الترجمات العربیة لرباعیات الخیام أن هذا الرأی طبق فی الشعر، خاصة فی الشعر الغنائی لأن النزعة الفردیة لدى الشاعر الغنائی تجد فی القصیدة الغنائیة الأداة الصحیحة للتعبیر عن نفسها.
و قد ترجم الشاعر أحمد رامی رباعیات الخیام إلى العربیة، و قد استطاع بفضل اشتراک العربیة و الفارسیة فی نظام عروضی واحد تقریباً، أن یحتفظ بالنظام الرباعی فی ترجمته العربیة مبقیاً على الجانب الشکلی للأصل الفارسی، و مع ذلک فقد اضطر فی کثیر من رباعیاته أن یدخل من التغییر ما بلغ حد الإضافة و الحذف أحیاناً أخرى و التبدیل تارة و التحریف تارة حتى جاء المعنى فی بعض الرباعیات مقارباً غیر مطابق. لکن هذا الرأی لا یصدق على کل ترجمات رباعیات الخیام العربیة، فإننا نلاحظ فی ترجمة الأستاذ أحمد الصافی النجفی الکثیر من الدقة التی تنم عن حب و شغف کبیرین و ذلک بشهادة کبار رجال السیاسة و العلماء و الشعراء الإیرانیین الذین عرفوا فضله و مقدرته العلمیة و الأدبیة. و قد تمیزت ترجمته بمتانة و تعبیر دقیق لأغراض الشعر، و على إثرها قلد وسام العضویة فی النادی الأدبی فی طهران.
أول ما اطلع الصافی النجفی على الترجمات العربیة للرباعیات، طالع تعریب الأستاذ ودیع البستانی، و رغم ما اشتملت علیه ترجمته من سمو و إبداع، لم یکن یمثل من الرباعیة إلا قشورها البراقة و أصدافها اللامعة و کان له العذر فی ذلک، إذ لم یکن عارفاً بالفارسیة فترجمها عن الإنجلیزیة و من أجل ذلک بقی الدر و اللباب فی کنز مرصود لم تستطع أن تفک طلاسمه قرائح المترجمین. و هذا ما حذا بالصافی إلى محاولة فک تلک الطلاسم و کشف ما اختبأ فی ذلک الکنز عله یستطیع إتحاف قراء العربیة لا بتلک الخیالات الشعریة المعروفة التی تدفع إلى التشاؤم و تدعو إلى اللذات فحسب بل بتلک اللآلئ المکنوزة التی تمثل آراء الخیام الفلسفیة و نکاته الأدبیة البدیعة. لقد نحى الصافی فی ترجمته للرباعیات منهجاً علمیاً دقیقاً و توخى الأمانة و الدقة فی النقل و الاحتفاظ بالمعنى الأصلی حتى ظهر أکثر الرباعیات کأنه ترجم کلمة بکلمة. کما حرص على تقریب التعریب بقدر الطاقة من الذوق العربی.
إن أغلب النقاد و الأدباء و الشعراء الإیرانیین الذین أطلعهم على ترجمته أبدوا اندهاشهم و شغفهم بها و أثنوا على مجهوداته ثناء جمیلا. من ذلک ما أفاده أکبر شعراء الفرس المعاصرین و هو محمد حسین بهار الملقب بملک الشعراء حینما رأى ترجمة الصافی قال : "
إن بعض التعریب مع کونه مطابقاً للأصل جداً یفوقه من حیث البلاغة و الأسلوب..." أو کما قال أحد کبار علماء و الأدباء فی إیران یعنی العلامة الملقب بصدر الأفاضل الذی کان یدرس الأدب العربی للشاه المخلوع، قال بعد أن اطلع على الرباعیات بتمامها مخاطباً الصافی النجفی: "أکاد أعتقد أن الخیام نظم رباعیاته بالعربیة و الفارسیة معاً، و قد فقد العربی منها فعثرت علیه و انتحلته لنفسک". 
إن کل المترجمین یقولون بضرورة الأمانة فی الترجمة، و لکنهم یختلفون اختلافاً کبیراً فیما یقصدونه بالأمانة، فبینما یوسع بعضهم من مدلول کلمة الأمانة هذه بحیث تشمل الجانب الشکلی فی ترجمة الشعر یرى بعض آخر أن فی ذلک تضحیة بما هو جوهری فی سبیل الحفاظ على غیر الجوهری، و أن ترجمة الشعر إلى نثر هی الوسیلة الصحیحة لتحقیق روح الأصل فی الترجمة. فالترجمة النثریة فی رأی هؤلاء هی التی تستطیع أن تجمع بین الوفاء لروح العمل الأدبی و حریة الأسلوب، أما الترجمة الشعریة فکثیراً ما تضطر المترجم إلى تحریف الأفکار و تعدیل العبارات و تحویر الصور، وتکون النتیجة تزییف مقاصد الشعر فی بعض الفقرات المهمة أحیانا.
هذه المشکلات التی تکمن فی الترجمة من حیث هی شعرًا کانت أو نثرا لا تعنی إعفاء المترجم من مسؤولیاته. بل إنها على العکس تعنی أن المترجم لابد أن یکون مستعدا لأداء هذه المهمة الشاقة وذلک بتأهیل نفسه بالمؤهلات الضروریة لذلک و التی یمکن أن نشیر إلى بعضها فیما یلی:
أولا: الأمانة العلمیة الدقیقة: فإذا کان مترجمو الماضی لم یتقیدوا جمیعا بهده الأمانة بوصفها شرطًا لازمًا للترجمة, فإن الروح العلمیة فی العصر الحدیث تجعل من هذه الأمانة ضربًا من الحتم و إن اختلف فی مدى هذه الأمانة وحدودها. لقد تبین لنا فیما سبق أن ترجمة الروائع الأدبیة انطوت على صعوبات شکلت تحدیًا لهذه الأمانة. بل لقد تبین أن الترجمة الحرفیة أمر ینبغی أن تستبعد فی ترجمة مثل هذه الروائع. لأن الإصرار على حشر الخصائص الفنیة الدقیقة فی القوالب الحرفیة للترجمة ینطوی على تضحیة بجوهر العمل الأدبی فی سبیل الحفاظ على بعض سماته الظاهرة. ومعنى ذلک أن على المترجم الحدیث أن یقیم ذلک التوازن الدقیق و الصعب بین الأمانة و تجنب الترجمة الحرفیة.
ثانیا: حسن اختیار ما یترجم, و حسن الاختیار هذا لا یقوم على مراعاة قیمة العمل الذی یراد ترجمته فحسب,بل على ملاءمته لأوضاع المجتمع الذی له من النواحی الدینیة و الفکریة و السیاسیة و الاجتماعیة.
ثالثا: إلمام المترجم بالتراث الثقافی الذی ینتمی إلیه العمل المترجم,فبذلک یضمن لنفسه عدم التورط فی خطأ ما ینقل من ذلک التراث.و یذکرنا هذا بما اشترطه الجاحظ فی الترجمة لکی تؤدی بأمانة کل ما فی الأصل من أن یکون علم المترجم بالموضوع الذی یترجمه على قدر علم المؤلف به.
رابعا: إجادة المترجم اللغة التی یترجم منها, ومرة أخرى یفرض الجاحظ نفسه, فقد اشترط لتمام الترجمة أن یکون علم المترجم باللغة التی یترجم منها على قدر علمه باللغة التی یترجم إلیها کما مر, فقد یترتب على عدم تمکن المترجم من لغة الأصل تشویه مضمونه. فقد قیل: 
" إن تألیف کتاب ردیء خطأ أما ترجمة کتاب جید ترجمة ردیئة فجریمة".
خامسا: القرب من المؤلف, فلکی یحقق المترجم لترجمته فهمًا و قبولاً لدى القارئ لابد له من أن یکون قریبا جدا من المؤلف أی أن یکون دقیق الفهم له و الأداء عنه, بل إن الأمر لا یقتصر على حسن فهم وجودة الأداء, وإنما على المترجم أن یرى ما رآه المؤلف و أن یسمع ما سمع و أن یتعمق فی حیاته لیقف على تجاربه. إن أمة ما لا یمکن أن ترى حادثة کما تراها أمة أخرى,و لذلک فإن على المترجم أن یعبر عن أی حادثة أو موقف کما ینبغی أن یعبر عنه فی لغته هو. وقد لا یکون فی وسعه أحیانا أن یقترب من الکلمة الأجنبیة المطلوبة تمامًا و لکن الأهم أن یکون قادرًا على أن یتخیل الموقف. إن علیه أن یستخدم الکلمات لیعبر بها لا عن الأصوات فحسب , بل کذلک عن الإیقاع و الإشارات و التعبیرات و النغمة و اللون وکل ما یرتبط بالمعنى الأصلی.

ليست هناك تعليقات: