إصدار ترجمتي الجديدة للمجموعة القصصية الفارسية (آبشوران)

أصدرت دار روافد للنشر والتوزيع بمصر ترجمتي العربية للمجموعة القصصية الفارسية (آبشوران) للقاص والروائي الإيراني المعاصر علي أشرف درويشيان



تقديم بقلم علي أشرف درويشيان مؤلف "آبشوران" :
قبل ما يقارب نصف قرن من الزمان، لمّا راودتني فكرة كتابة المجموعة القصصية الحالية "آبشوران" وانهمكت فيها كان يحدوني أمل كبير في أن نكون آخر شهودٍ على وادي "آبشوران" وآخر جيلٍ يشاهد في حياته جريانَه. الوادي الذي كان طافحاً بكل ألوان الخبث والقبح والتعاسة. بيد أني، وللأسف الشديد، ما زلت إلى يوم الناس هذا شاهداً في بلدي على جريان "آبشوران" و"آبشورانات" أخرى. ليس في إيران فقط، بل أيضاً في البلدان الفقيرة في قارتي آسيا وإفريقيا. كنت آنئذٍ أمنِّي النفس بألا أُلفي في المستقبل القريب قارئاً لمجموعتي "آبشوران"، وإن وُجد من يقرؤها يكون كمن قرأ أسطورة تعود لعهود بربرية البشر، تثير عوالمها القبيحة حيرتَه. لكني آسف أن ما حصل غير هذا. من الطبيعي أن ينتشي أي كاتب بترجمة عمله إلى لغة أخرى لكني لن أكون كذلك لو علمت أن ترجمتي سوف تقرأ وفي الجوار أطفالٌ مازالوا يعيشون مجسِّدين ذاك الإنسان الشّقي والتعيس الذي تعكس "آبشوران" صورته بجلاء. 
علمت أن "آبشوران" تُرجمت حديثاً إلى اللغة العربية في المغرب، بلد الشعب الطيب. ترجمها الدكتور أحمد موسى، أستاذ اللغة الفارسية وآدابها، فله مني جزيل الشكر. لا أعرف الكثير عن المغرب، لكني أتمنى ألا يكون هناك لا "آبشوران" ولا أطفال يحومون حوله. إن جميع المبدعين الملتزمين بقضايا الإنسان والإنسانية إنما يبدعون ما يبدعون لتسمو الدنيا وترقى إلى مقام الإنسان والإنسانية.
أتمنى أن ينظر القرّاء المغاربة والعرب إلى هذه المجموعة بعين الرضا والاستحسان، وكلي أملٌ بأن ألتقي بهم يوماً...
علي أشرف درويشيان
أبريل 2016

ندوة الدرس المقارني وتحاور الآداب


صدور الكتاب الجماعي (الدرس المقارني وتحاور الآداب) وبه دراستي المعنونة بـ"دور الأدب المقارن العربي الفارسي في التواصل الثقافي بين العرب والإيرانيين" 

يضم هذا الكتاب بين دفتيه الأبحاث الملقاة في الندوة الدولية التي تحمل العنوان ذاته، والتي دعت إليها الجمعية التونسية للأدب المقارن (جمام) في إطار اليوم العربي السابع للأدب المقارن وحوار الثقافات.
انعقدت هذه الندوة الدولية بتونس أيام 28-30 أبريل 2014. وسهر على تنسيق وإعداد هذا الكتاب الدكتور عمر مقداد الجمني مشكوراً.
ملخص المداخلة :
 مما لا شك فيه أن القواسم المشتركة التي تجمع الفكر الإنساني عامة، والفكر العربي والفارسي بصفة خاصة، تنعكس بكل وضوح في آداب الأمتين العربية والفارسية، وهذا الأمر يثبت بأن جميع الناس، بغض النظر عن قومياتهم، يتحدثون لغة واحدة. وفي هذا الصدد يلعب الأدب المقارن دوراً بارزاً ومؤثراً، ذلك لأن الأدب المنعزل في زماننا لا يحظى بأية مكانة، كما أن آداب الملل التي لا تمتلك لغة دولية تتعرض للنسيان، وهنا يبرز دور المترجم والناقد الأدبي والمشتغل بالأدب المقارن، باعتباره صانع التواصل الثقافي، في إخراج الأدب من انزوائه ووضعه في منطقة الضوء، وإيصاله إلى العالمية. وللاستدلال على ذلك فإن ترجمة الروائع الأدبية في الاتجاهين، من الفارسية إلى العربية ومن العربية إلى الفارسية، ودراستها ونقدها، ساهمت بالتأكيد في ربط عرى التواصل الثقافي بين العرب والإيرانيين، وكرّست انتشار القيم الإنسانية المشتركة.
هذا ما ستسعى هذه المداخلة إلى بيانه، بالتركيز على تتبع إسهامات الأدب المقارن العربي الفارسي في نشر ثقافة التواصل وحوار الآداب بين العرب والإيرانيين.


حفل (چهارشنبه سوری) أو أربعاء النار في الثقافة الإيرانية


http://www.hespress.com/un-oeil-sur-un-pays/298809.html
تقاليد وعادات أية أمة من الأمم هي مجموعة من السلوكيات الدينية وغير الدينية لجماعة من الناس تجمع بينهم مشتركات دينية وقومية ووطنية قائمة على مرتكزات فكرية ومعتقدات دينية مشتركة.
واليوم، ما تبقى من إرث ثقافي قديم خاص بالديانة الزرادشتية في إيران يحظى بمكانة لائقة وهامة بين الأوساط الشعبية المختلفة في هذا البلد ذي الهويات المتشابكة والمتداخلة، دينياً وإثنياً وثقافياً.
لذلك نحاول من خلال فتح هذه النافذة على الثقافة الإيرانية تلمّس خيوط بعض التقاليد والرسوم والأعياد الإيرانية القديمة التي تعود إلى فترة بلاد فارس الزرادشتية، والتي مازالت إلى يوم الناس هذا، رغم مرور خمسة عشر قرناً على دخول الإسلام إلى إيران، مترسخة في الوعي العام الإيراني وحاضرة في المناسبات والأعياد بصورة قوية.
لا يقتصر إحياؤها والاحتفال بها على الأقليات الزرادشتية فحسب، بل يشمل الشعب الإيراني كافّة. والمناسبة هو استعداد الأمة الإيرانية، ومن يشترك معها ثقافياً، للاحتفال بمناسبتين مهمتين خلال الأيام القليلة المقبلة. المناسبة الأولى هي احتفالية يوم "أربعاء النار" والتي تصادف هذا الأربعاء (16 مارس). والمناسبة الثانية هي عيد النيروز ورأس السنة الإيرانية ويوافق اليوم الأول في فصل الربيع (21 مارس).
يوم أربعاء النار (چهارشنبه سوری)
حسب التقاليد الإيرانية القديمة، يتم مساء آخر يوم أربعاء في السنة إشعال نيران كبيرة يُحتفظ بها متقدة متوهجة حتى تطلع شمس اليوم الموالي، وخلال مدة اشتعالها يقفز الناس عليها ويطوفون من حولها وهم ينشدون أهازيج، ويرددون على الخصوص هذه العبارة "زردى من از تو، سرخي تو از من" (صفرتي إليك، وحمرتك إلي).
هذه الكلمات ترمز إلى مراسيم التطهير الدينية، كما تلخّص ذلك كلمة "سرخى" بمعنى "الحمرة". بتعبير آخر، فالناس بإقامة هذا الاحتفال يسألون النار أن تُذهب عنهم جميع الأمراض والمشاكل والقلاقل (دلالة اللون الأصفر)، وأن تمنحهم بالمقابل الدفء والحرارة والقوة (دلالة اللون الأحمر).
إذاً، يتضّح جليّاً من خلال فلسفة هذا الاحتفال ارتباطه بمعتقدات الإيرانيين القديمة التي تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام. وهو ما يتبيّن أيضاً في احتفاء الأقليات الزرادشتية على مرّ التاريخ بهذا العيد، وحرصها على إقامة مراسيمه بكل تفاصيلها. لكن "أربعاء النار" هذا لم يعد اليوم مقتصراً على الزرادشتيين بل اتخذ صبغة وطنية وقومية تعدّت حاجز الدين والمذهب.
http://www.hespress.com/files.php?file=iranfire3_966129110.jpg
احتفالية لمحاربة الظلمة
كان هذا العيد منذ أمد بعيد جداً راسخاً في إيران كعيد وطني وشعبي، واتخذ مسمّى "أربعاء النار" (چهارشنبه سورى) ليكون طليعة وبشرى باقتراب عيد النيروز الذي تُنار فيه الأرض بفعل نزول الأرواح الإلهية ومباركة المؤمنين.
في إيران القديمة كان الناس يحتفلون نهاية كل شهر. وليس بعيداً أن يكون تخصيص الاحتفال بيوم الأربعاء هذا عند الإيرانيين مأخوذاً من أمم أخرى، لأن ليوم الأربعاء أهمية وقدسية خاصة عند أتباع دين اليزيدية.
لكن بعض الباحثين ذهبوا إلى أن جعل آخر يوم أربعاء في السنة موعداً لهذا الاحتفال إنما حدث بعد الإسلام، لأن الأربعاء كان عند العرب يوم شؤم ونحس، كما يشير الجاحظ إلى ذلك في كتابه "المحاسن والأضداد"، لذلك وحسن الباحثين، أراد الإيرانيون إقامة الاحتفال ليلة هذا اليوم حتى تبقى أحداث السنة الجديدة بمنأى عن النحس والشؤم.
الطقوس والتقاليد الخاصة بهذا اليوم:
ما يميّز هذا اليوم عن غيره في قرى وبلدات ومدن إيران، أن الجميع يترك البيت قبيل غروب شمس يوم الثلاثاء الأخير في السنة الإيرانية (يصادف هذه السنة يوم الثلاثاء 15 مارس 2016)، وأمام البيوت وفي فضاء مفتوح يوقدون ناراً أو أكثر، ويجتمعون حولها كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، ثم يبدءون بالقفز فوقها والطواف بها وهم يرددون :
"زردى من از تو، سرخي تو از من، (صفرتي ؛إليک، وحمرتك إليّ).
غم برو شادى بيا، محنت برو روزی بیا (اذهب أيها الغم وتعال أيها السرور، إذهبي أيتها المحنة وتعال أيها الرزق)
اى شب چهارشنبه اي كليد چاردنده، بده مراد بنده" (يا أربعاء النار، يا مفتاحاً مجرّباً، حقّق مرادي)
وبذلك يودعون النارَ أمراضهم ومتاعبهم وقلقهم، وينطلقون لاستقبال العام الجديد براحة بال وسرور وحبور. يعتبر رماد هذه النار نحساً لأنه محمّل بالآلام والمشاكل والآفات التي أودعها الناس فيها، فيتم التخلّص منه برميه بعيداً في الطرقات أو في مجرى ماء.
يعتقد الإيرانيون أنهم بإشعالهم للنار يطهّرون البيت من الموجودات الضارة ومن الخبائث وكل ما يتصل بالشيطان. ولكي لا تتلوث هذه النار فإنهم يلقون برمادها بعيداً عن البيوت، في الطرقات ليحملها الريح أو في السواقي والجداول المائية ليبيدها الماء.
http://www.hespress.com/files.php?file=iranfire2_638319392.jpg
هناك بعض الطقوس والعادات التي، إلى الآن، لم تنمح، وما يزال الناس في بعض المدن والقرى الإيرانية متشبثين بها، من ذلك :
تكسير القلّات والأكواز:
طبق العادات يأخذ أهل كل بيت كوزاً قديماً متعلقاً بالسنة التي هي في طور الانقضاء ويرمون بداخله قليلاً من الملح والفحم وقطعة نقدية، ثم يأخذ أفراد الأسرة، كلٌّ حسب دوره، هذا الكوز ويديره حول رأسه، وآخر فردٍ يطيح به من فوق السطح إلى الزقاق وهو يقول : (لتذهب آلامنا وبلاؤنا داخل الكوز وفي الزقاق)
تناول المكسّرات:
إعداد وتناول المكسّرات المتنوعة المالحة والحلوة في هذه الليلة يجلب، حسب المعتقد السائد، البركة واليمن.
التفاؤل والتطيّر:

من المراسيم الأخرى التي تطبع احتفالية ليلة "أربعاء النار" في إيران التفاؤل أو التطيّر، بمعنى أن كلَّ من له حاجة يعقد النيّة ويقف على مفترق طرق في حيه أو أينما كان ليترصّد كلام أول عابرٍ يمرّ من أمامه. وأول كلام يصدر عن هذا العابر يتخذه صاحب الحاجة فألاً سيئاً أو حسناً. فإذا كان كلامه موافقاً لأمنيته، فإن حاجته هذه تقضى وتُلبّى.