إيـران والعـرب وإفـريقيا عبر التـاريخ


المقالات والدراسات الواردة في هذه الصفحة هي كالتالي :

عنوان المقال
صاحبه
1/ صلات العرب والفرس قبل الإسلام
منقول
2/ مختصر عن تاريخ علاقات إيران والمغرب
د/ أحمد موسى
3/ العلاقات الإيرانية بالقارة السوداء
د/ أحمد موسى
4/ كرونولوجيا العلاقات الإيرانية الإفريقية قبل الثورة وبعدها
د/ أحمد موسى
5/ إطلالة على تاريخ العلاقات الإيرانية الافريقية
د/ محمد نور الدين عبد المنعم


صلات الفرس والعرب قبل الإسلام
دفاع الفرس عن الیمن قبل الإسلام وأثر ذلک فی الأدب العربی
إنّ الحدود الجغرافیة بین الفرس والعرب أکثر من ألف کیلومتر وکانت هاتان الأمّتان جارتین منذ آلاف السنین ومازالتا وقد ربطت بینهما أواصر المحبة والودّ وحسن الجوار قبل الدین الإسلامی الحنیف وبعده، وخیر شاهد على ما نقول، أثر الصداقة الفارسیة العربیّة فی الأدب العربی قبل الإسلام.
فقد هاجم الأحباش جنوب الجزیرة العربیة عن طریق البحر الأحمر وذلک قبل ظهور الدین الإسلامی الحنیف، ودافع الفرس عن العرب هناک حیث کانت تربطهم أواصر المودة مع قبیلة (حِمیَر) وهی من القبائل العربیة الکبیرة، فقد عبَر الجنود الإیرانیون میاه الخلیج الفارسی حتى وصلوا إلى جنوب الحجاز وقضوا على الأحباش وأنقذوا أبناء حِمیَر مما لحقهم من ظلم على أیدی الأحباش، وذکر المسعودی فی کتابه (مُروج الذهب) شعراً لأحد الشعراء الفرس الذین کانوا ینظمون أشعارهم باللغة العربیة، ذکر هذا البیت :
نَحْنُ خُضْنا البحارَ حتى فککنا حمیراً من بلیةِ السودانِ(1)
والمقصود بکلمة (السودان) الأحباش الذین کانت لهم بشرة سوداء.
وقد أعجب البحتری، الشاعر العربی الشهیر فی القرن الثالث بدفاع الفرس عن حِمیَر والیمن وصنعاء وعدن قبل الإسلام فنظم قصیدة غرّاء أثنى فیها على الفرس وذکرها المسعودی أیضاً وننتخب منها هذه الأبیات التی یخاطب فیها البحتری أبناء فارس:
فَکَمْ لَکُم مِن یَدٍ یَزکُوا الثناء بها ونعمةٍ ذکرها باقٍ على الزمنِ
إن تفعلوها فلیست بِکْرَ أَنعمکُم ولا یدٌ کأیادیکُمُ على الیمنِ
إذْ لا تَزالُ خیولُ الفُرسِ دافعةً بالضَّرْ بِ والطعنِ عَنْ صنعا وعن عدنِ
أنتم بنو المنعمِ الُمجدی ونحنُ بنو من فاز منکم بفضل الطول والمِنَنِ(2)
الروم لم یساعدوا العرب أمام الأحباش والتاریخ یعید نفسه :
إنّ لهجوم الأحباش على الیمن التی کان یحکمها سیف بن ذی یزن قصة طویلة وفیها عبرة للعرب على طول التاریخ، فبعد هجوم الأحباش ظن سیف بن ذی یزن أنّ الروم سیساعدونه فی طرد الأحباش (ومضى إلى قیصر ـ ملک الروم ـ یستنجده فأقام ببابه سبع سنین فأبى أن ینجده) (3)، ویا للعجب، أن سیف بن ذی یزن أمضى سبع سنین ملتمساً عند باب قصر ملک الروم ولم یسعفه قیصر، وبعد تلک السنین العجاف، رجع سیف بن ذی یزن خائباً، فاتجه إلى بلاد فارس وکان ملکهم أنوشیروان، واستجاب أنوشیروان لما أراده ملک الیمن الذی هجم علیه الأحباش وجهز جیشاً لمساعدة عرب الیمن بقیادة قائد فارسی إسمه: وهرزا صبهذ الدیلم (فوجه معه ـ الجیش الفارسی وقائده ـ وهرزا صبهذ الدیلم... ـ وحمل الفرس على الأحباش ـ فانکشفت الحبشة وأخذهم السیف... فقُتل منهم نحو ثلاثین ألفاً) (4).
وابن الأثیر الموصلی ذکر هذه الواقعة فی کتابه «الکامل فی التاریخ» وقال عن دفاع الفرس عن عرب الیمن أمام الأحباش (وحملت الفرس علیهم فلم یکن دون الهزیمة شیء وغنم الفرس من عسکرهم ما لا یُحَدُّ ولا یُحصى) (5). 
وأضاف ابن الأثیر أنّ الجیش الفارسی بقیادة (وهرز) رجع إلى إیران بعد تحریر الیمن من الأحباش، فانتهز الأحباش هذه الفرصة وهجموا مرة أخرى على الیمن ولکن، کان الفرس لهم بالمرصاد، حیث أن (کسرى بعث إلیهم وهرز فی أربعة آلاف فارس وأمره أن لا یترک بالیمن أسْوَد) (6) من الأحباش
وقد نظم أحد الشعراء العرب واسمه أبو زمعة (وهو جدُّ أُمیة بن الصلت الثقفی) قصیدة مدح فیها دفاع الفرس عن عرب الیمن، وننتخب منها هذه الأبیات التی یطلب فیها الشاعر من سیف بن ذی یزن أن ینتقم من الأحباش الذین جاءوا إلى الیمن عبر البحر الأحمر
لِیَطْلب الوتر أمثالُ ابنِ ذی یزنِ فی لُجَّةِ البحرِ أحوالاً وأحوالا
حَتّى أَتى ببنی الأحرارِ یَحْمِلُهُم تَخالُهُم فی سَوادِ اللَّیلِ أَجبالا
لِلّهِ درُّهُمْ من عصبةٍ خَرَجُوا مَا إِنْ رَأَیتَ لَهُمْ فی النّاسِ أَمثالا (7)
وأمّا الموسوعة العربیة المعروفة باسم (الموسوعة العربیّة المیسّرة) فقد ذکرت هذا الدفاع العظیم من الفرس عن العرب بقولها: (سیف بن ذی یزن... بسط سلطانه على أرض أجداده فی ظلِّ الحمایة الفارسیّة، ویرجّح الباحثون إلى أن انتصاره هذا یمکن أن یرجع إلى سنة 570 م أو نحوها... ـ وکان ـ الصراع بین العرب وبین الأحباش والزنوج. وسیف بن ذی یزن کان یؤمن بالتوحید) (8).
أما دائرة المعارف التی نشرها بطرس البُستانی فی لبنان فقد ذکرت هذه الواقعة التاریخیة المهمة وقالت عن آخر فصل فیها إنّ القائد الفارسی (وهرز) (لمّا استتبَّ الأمر کتب إلى کسرى فأمر أن یُملّک سیف بن ذی یزن) (9). 
وختم المسعودی حدیثه عن هذه الواقعة العظیمة بقوله إنّ على بوابة مدینة ظفار فی جنوب الحجاز أشعاراً کانت على حجر کبیر وفیها هجاء للأحباش ومدیح للفرس ومنها هذه المقاطع (حِمْیَرُ الأخیارُ، والأَحباشُ الأشرارُ، وفارسُ الأحرارُ) (10). 
إنّ ما ذکرنا هو صفحة من تاریخ العلاقات الطیبة والوطیدة بین الفرس والعرب قبل الإسلام، وکما قلنا: إنّ التاریخ یعید نفسه فإذا کان سیف بن ذی یزن قد أمضى سبع سنین عجاف وهو یلتمس عند باب قصر ملک الروم لمساعدته ولم یساعده فالعرب فی التاریخ المعاصر قد أمضوا أکثر من خمسین عاماً وهم ینتظرون مساعدة أمیرکا وأوروبا
رابطة المودة بین بعض الشعراء والأدباء العرب والفرس قبل الإسلام :
ذکرت التواریخ أسماء بعض الشعراء والخطباء العرب الذین کانت لهم أواصر المحبة مع الفرس قبل الإسلام، ومنهم:
1 ـ غیلان بن سلمة الثقفی، وکان شاعراً وتاجراً وکان یذهب ببضاعته إلى الفرس، وجاء فی کتاب (قصص العرب) أن هذا الشاعر التاجر کان قد جاء ببضاعته إلى کسرى، فضیّفه (ثمّ اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها، وکساه، وبعث معه من الفرس من بنى له اُطماً ـ أی قصراً ـ بالطائف فکان أول اُطمٍ بُنى بها) (11).
2 ـ الأعشى وهو أشهر من أن یُذکر وقد جاء إلى إیران عدة مرات بأشعاره العربیة، وقالت عنه موسوعة المورد: (وفد على ملوک فارس فمدحهم، وسار شعره العذب على الألسنة) (12)، وقال عنه المحقق النجفی الحمامی (قصد ملوک الساسانیین فأثابوه وأجزلوا له العطاء والجوائز والهبات) (13). 
3 ـ بعض الخطباء العرب الذین أشار المسعودی إلیهم حیث قال:(وفد على کسرى أنوشروان بعض خطباء العرب)(14). 
4 ـ الشاعر الذی ذکر ذهاب الفرس إلى بیت اللّه‏ الحرام حیث قال المسعودی: (کانت أسلاف الفرس تقصد البیت الحرام وتطوف به تعظیماً له... وکانت الفرس تهدی إلى الکعبة أموالاً فی صدر الزمان وجواهر... وسیوفاً وذهباً کثیراً) (15)، وذکر المسعودی هذا البیت بهذه المناسبة وهو لشاعر عربی لم یذکر اسمه
زمزمتِ الفرسُ على زمزمِ وذاک من سالفها الأقدمِ (16)
5 ـ الحارث الطبیب والخطیب وهو من أهل الطائف وکان (سافر إلى فارس وتعلَّم الطب) (17)، وألقى خطابة مسهبة أمام کسرى عن الأغذیة والأدویة وذکرت فی کتاب (قصص العرب) فی أربع صفحات، وقال له کسرى: (للّه‏ِ درک من أعرابی، لقد أُعطیت علماً وخُصصتَ فطنةً وفهماً) (18).
وأما الصداقة الفارسیة العربیة بعد الدین الإسلامی الحنیف وخدمات العرب الفرس للدین الإسلامی العظیم بإیمان وإخلاص ذُکرت فی مئات الکتب وهی معروفة، واللّه‏ ولی التوفیق
شابور ذی الأکتاف 
لا شک أنّ الساسانیین کانوا طغاة وظلمة، وشابور ذو الأکتاف الذی کان یعدم لا بالسیف ولا بالشنق بل بثقب الأکتاف، شابور هذا هو أکثر الساسانیین ظلماً وطغیاناً، وشابور هذا وبقیة الساسانیین ظلموا الفرس کما ظلموا العرب، ولکن؟ قد کان بین الساسانیین من نشأ بین العرب کبهرام جور الذی کان ینظم الأشعار العربیة ویعطف على العرب وذکر المسعودی بعض أشعاره العربیة ومواقفه فی بحثه الخاص ببهرام جور فی کتابه (مروج الذهب) وکان بین الساسانیین من ساعد أهل الیمن وذکرنا هذا بصورة مفصّلة، وکان بین الساسانیین من یرحّب بالشعراء والأدباء العرب، وکان بین الساسانیین من یذهب إلى بیت اللّه‏ الحرام ویقدّم الهدایا إلى الکعبة الشریفة، ولا یمکن أن نتغاضى عن هذه الحقائق أو ننکرها وإذا کان شابور ذو الأکتاف مجرماً ومجحفاً وظلوماً وغشوماً فلا تزر وازرةٌ وزر أخرى. صدق اللّه‏ العلیُّ العظیم.
المصادر :
1. المسعودی، مُروج الذهب، طباعة دار الهجرة، ج 2، ص 57.
2. المصدر السابق، ص 58.
3. المصدر نفسه، ص 54.
4. المصدر نفسه، ص 54 وص 56.
5. ابن الأثیر، الکامل فی التاریخ، طبعة بیروت، 1408 ه . ق، ج 1، ص 288.
6. المصدر السابق، ص 289.
7. المسعودی، مُروج الذهب، ج 2، ص 59.
8. الموسوعة العربیة المیسرة، طباعة دار الجیل التابعة للجمعیة المصریة لنشر المعرفة، سنة 1416 ه . ق، ج 1، ص 1049.
9. البستانی، بطرس، دائرة المعارف، بیروت، ج 10، ص 335 و 336.
10. المسعودی، مروج الذهب، ج 2، ص 63.
11. قصص العرب (تألیف عدد من الأساتذة المصریین)، طبع دار احیاء الکتب العربیة، سنة 1381 ه . ق، ج 1، ص 19.
12. البعلبکی، منیر، موسوعة المورد، بیروت، سنة 1981 م، ج 5، ص 163.
13. الحمامی، سید محمد علی، المطالعات فی مختلف المؤلفات، طبعة النجف الأشرف، ص 21.
14. المسعودی، مروج الذهب، ج 2، ص 97.
15. المصدر السابق، ج 1، ص 265.
16. المصدر السابق.
17. قصص العرب، ج 1، ص 126.
18. المصدر السابق، ص 130.

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

مختصر عن تاريخ علاقات إیران والمغرب 
د/ أحمد موسى

تعود أولى مؤشرات سفر الإیرانیین إلى أرض المغرب وسواحله إلى عهد داریوش الثالث، حیث سافرت سفینة إیرانیة تجاه المغرب وسواحل السنغال حالیاً. وبعد هذه الواقعة تواترت تقاریر عن سفر الایرانیین إلى هذه المنطقة. بعد الاسلام هاجرت مجموعات من أبناء فارس وأسسوا دولة الرستمیین الخارجیة فی الجزائر الحالیة. وهناک بعض النصوص التاریخیة التی تشیر إلى أن أصل الأمازیغ والبربر ربما یعود إلى بلاد فارس وهاجروا منها إلى شمال إفریقیا عن طریق عمان والأردن. ویقال أن ابن بطوطة کان عالماً باللسان الفارسی وکان یتحدث الفارسیة فی سفره إلى إیران وآسیا الوسطى وحتى الصین.
بعد استقلال المغرب بدأت العلاقات السیاسیة بین المغرب وإیران سنة 1958 وفتحت السفارة الإیرانیة فی الرباط. وکانت العلاقة بین شاه إیران والملک الحسن الثانی علاقة صداقة حمیمة.
بتاریخ 22 دجنبر 1980 وعلى خلفیة حلول شاه إیران محمد رضا بهلوی بالرباط قادماً من مصر وأیضاً بسبب مشاکل أخرى، أعلنت وزارة الخارجیة الإیرانیة عن  قطع کل العلاقات السیاسیة والدیبلوماسیة بین بلادها والمغرب بعد سنتین من التجاذب والنوسان الخبر الذی أکده المسؤلون المغاربة. ومنذ استقلال المغرب وإلى حدود شهر دجنبر 1980 والعلاقات بین البلدین فی شد وجذب ومد وجزر. ففی سنة 1956 سنة حصول المغرب على الاستقلال تلقى السلطان محمد الخامس دعوة رسمیة من شاه إیران لزیارة بلده، إلا أن القدر لم یمهله ووافته المنیة دون أن یقوم بالزیارة. لکن عقد الستینیات سیشهد على ارتقاء فی علاقات البلدین وتبادل مستمر للزیارات بین مسؤولی البلدین.
بتاریخ 14 یونیو 1964 قام محمد رضا البهلوی مرفوقا یعقیلته بزیارة إلى المغرب قادما إلیها من الولایات المتحدة الامریکیة. وبتاریخ 12 أبریل 1968 سیقوم الملک الحسن الثانی بدوره بزیارة لطهران. وخلال نفس السنة سیزور شاه إیران وزوجته فرح المغرب مجددا. بعد سنة من هذا التاریخ أی سنة 1969 سیقوم الشاه بزیارة أخرى للمغرب لکن هذه المرة بقصد المشارکة فی أعمال أول مؤتمر لقادة العالم الاسلامی. کما توالت زیارات وزراء البلدین ذهابا وإیابا تباعاً.
بعد انتصار الثورة الاسلامیة فی إیران واختیار شاه إیران المغرب کمحطة للاقامة لم یکن هذا الخبر لیروق الثوریین الجدد فی طهران، فعرفت العلاقات منحا تنازلیا استمر عدة شهور بعد استقرار النظام الجدید، إلى أن تم استدعاء سفیری البلدین، وتنزیل مستوى العلاقات إلى حدود القائم بالأعمال شهر أکتوبر 1979.
إلا أن تأیید إیران لجبهة البولیساریو ودعمهم ضداً على الوحدة الوطنیة المغربیة جرّ اعتراض المغرب على إیران. ومع بدایة الحرب الإیرانیة العراقیة ووقوف المغرب بجانب العراق سقطت العلاقات بین البلدین فی ورطة کبیرة.
یقول الباحث العراقی الدکتور محمد الجنابی عن مواقف الملک الحسن الثانی من الحرب الإیرانیة العراقیة : "بعد العملیات الإیرانیة التی أطلقت علیها اسم (کربلاء الخامسة) فی مدینة حلبشه وقرب سقوط البصرة وجنوب العراق، کان الملک الحسن الثانی من القادة الأوائل الذین بادروا على الفور إلى دعم صدام حسین، وأبدى استعداده لاستضافة القمة العربیة فی فاس. وسعى الحسن الثانی فی هذه القمة إلى عقد الصلح بین لیبیا وسوریا مع العراق. ورغم أنه لم ینجح فی ذلک، إلا أنه نجح فی جمع ملاییر الدولارات لصالح العراق من أجل دعم القوات البریة العراقیة التی تضررت کثیراً فی هذه العملیات العسکریة" أدت کل هذه العوامل إلى إنهاء العلاقات السیاسیة والدبلوماسیة بین المغرب وإیران سنة 1980.
إقامة شاه إیران فی المغرب :
بالرغم من أن شاه إیران ذهب إلى المغرب بدعوة رسمیة من الملک الحسن الثانی إلا أنه لم یحظ بنفس الاستقبال الذی حظی به فی مصر مقامه قبل المغرب. وبعد لقاء رسمی قصیر انتقل الشاه إلى مکان إقامته فی قصر (الجنان الکبیر) بمراکش. أقام الشاه مدة 67 یوماً فی هذا القصر، وخلال هذه المدة ومع وصول الأخبار المتسارعة من إیران عن دخول الخمینی إلى طهران وانتصار الثورة بعد عشرة أیام من ذلک فی 11 فبرایر 1979، وکذلک انصراف عدد کبیر ممن رافق الشاه إلى مصر والمغرب من الأمراء والحاشیة وسفرهم إلى أوروبا وأمریکا. لم یبق معه عند مغادرته المغرب إلا القلیل من الخدم. من ناحیة أخرى لم یکن المغرب یرغب فی إقامة طویلة للشاه على أراضیه لأنه کان یتطلع إلى بناء علاقات مع النظام الجدید فی طهران. وقد اطلع الشاه على هذا الموضوع من خلال مقالات صحفیة نشرت فی الصحف المغربیة. لذلک قرّر الشاه السفر إلى أمریکا. لکن هذه الأخیرة وبسبب تصاعد الأزمة السیاسیة فی علاقات طهران وواشنطن لم تبد رغبة فی استقبال الشاه. وأجبر على التوجه إلى جزر الباهاما فی وسط القارة الأمریکیة، ثم انتقل إلى المکسیک، وبعدها منحه أنور السادات اللجوء السیاسی فی یونیو سنة 1979، وسافر إلى مصر مارس 1980. وبقی فیها إلى أن توفی شهر یولیوز من نفس السنة.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
العلاقات الإيرانية بالقارة السوداء
د/ أحمد موسى

حسب الشواهد الواردة في المصادر التاريخية فإن الملك داريوش الاخميني هو الذي أصدر أمر حفر قناة السويس لوصل البحر الأحمر بالأبيض المتوسط، وفي العهد الذي تم حفر القناة بشكل فعلي وُجدت بعض الدلائل التي تؤكد هذه الحادثة التاريخية. وهذا الأمر يدل على مدى قدمة العلاقات بين إيران والقارة الإفريقية والتي ترجع إلى أكثر من 2500 سنة ماضية[1].
إن هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة (إثيوبيا حالياً) كانت بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلّم وإن جعفر بن أبي طالب الذي أرسل على رأس وفد من الصحابة إليها اعتبر أول موفد في تاريخ الاسلام. وهذه المسألة كذلك تدل على وجود صلات قديمة سياسية ودينية وثقافية بين العالم الاسلامي والقارة الافريقية[2].
لم يكن للأنظمة الملكية التي حكمت إيران قبل قيام الثورة الاسلامية علاقات واسعة بالدول الافريقية، وذلك راجع بالأساس إلى توافق القوى العالمية. والدولة الافريقية الوحيدة التي كان للنظام البهلوي علاقة جد متميّزة بها لأسباب خاصة هي جنوب إفريقيا. في هذه الفترة كان لإيران تمثيليات سياسية في تسع دول فقط.
بعد قيام الثورة الاسلامية في إيران تغيّر توجه السياسة الخارجية لتكتسي العلاقات مع دول عدم الانحياز والدول النامية والتي في غالبيتها دول إفريقية، طابع الأولوية. وكان أول خطوة قامت بها الدولة الاسلامية في إيران هي قطع جميع علاقاتها السياسية والاقتصادية وبخاصة إيقاف تصدير البترول لجنوب إفريقيا وفتح مكتب لتمثيلية حزب سوابو[3] في إطار دعم نضالات الشعوب الإفريقية ضد الميز العنصري. كما شرعت إيران في عرض مساعداتها على دول الخط الأمامي للجبهة ومنظمات المقاومة كالمؤتمر الوطني الافريقي (ANC) ومؤتمر بان الافريقي (PAC). وافتتحت تمثيلياتها السياسية في تلك الدول وهي زيمبابوي والموزمبيق وتنزانيا وناميبيا وزامبيا. لقد شكّل سفر آية الله علي خامنئي رئيس الجمهورية حينها والمرشد العام للثورة الاسلامية حالياً إلى أنغولا وتنزانيا والموزمبيق وزيمبابوي منعطفاً في تاريخ العلاقات الايرانية بالدول الافريقية جنوب الصحراء.
نسجت إيران خلال العقد الأول من الثورة علاقات سياسية مع ستة وعشرين بلداً إفريقياً تركزت فيها جهودها على توسيع التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع هذه البلدان. إلا أن عدد هذه التمثيليات عرف في السنوات الأخيرة تقلصاً ليصل إلى عشرين تمثيلية فقط.
ولعل انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبع ذلك من تداعيات وتحولات عميقة أدى إلى توجيه الدول الصناعية الكبرى اهتمامها نحو أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى على حساب إفريقيا. وهو الأمر الذي أدركه الأفارقة وتعاملوا معه باعتباره واقعاً حقيقياً، ما أدى إلى تعبيد الطريق نحو التعاون جنوب جنوب.
ولكي تحقق إيران أهداف هذا التعاون ومن منطلق تقييمها الايجابي لتوسيع العلاقات مع الدول الافريقية تسعى عن طريق هذه الصلات إلى تلبية احتياجاتها بالاعتماد على قدراتها وإمكانياتها وذلك بغرض تحقيق الأهداف المتوخاة من التعاون جنوب جنوب. ومما لا شك فيه أن تقوية العلاقات الاقتصادية يعتبر عاملاً لتمتين المناسبات السياسية والثقافية والدولية، وهذا الأمر يزيد من أهمية توسيع التعاون مع القارة الإفريقية.

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

كرونولوجيا العلاقات الإيرانية الإفريقية قبل الثورة الإسلامية وبعدها
د/أحمد موسى
في كلمة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ألقاها أمام القمة الثانية عشرة للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا سنة 2009، قال فيها : "إفريقيا قارة تعج بالقيم البشرية والثقافية، وقدرات كبيرة في مجالات مختلفة، وفي المقابل تتمتع إيران بقدرات هائلة تُمكِّنها من الدخول في تعاون عملي ومربح مع القارة الأفريقية". ولعل ظاهر هذه الكلمة، وما تستبطنه تلخص إلى أي مدى تعتمد إيران على القارة الافريقية، كبعد إستراتيجي ومجال خصب لبسط نفوذها السياسي والاقتصادي والمذهبي بين سكان القارة السوداء، فالقارة الإفريقية بالنسبة لإيران تعتبر قارة الاسلام، والتمدن، والغنى الطبيعي، والإمكانيات الاقتصادية الهائلة، ولا يمكن لإيران أن تتغاضى عنها في ترسيم سياساتها الخارجية.
من هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة باختصار شديد، إلى رسم كرونولوجيا للعلاقات الايرانية بالقارة الافريقية منذ العهد الاخميني إلى اليوم. مركزة على أهم المحطات في هذا التاريخ المديد، متوقفة بالخصوص على فترة النظام البهلوي والنظام الجمهوري الاسلامي.
مقدمة : أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لإيران : 
المساحة والموقع :
تعتبر القارة الإفريقية ثاني أكبر قارات العالم بمساحة تقدر بثلاثين مليوناً وثلاثمائة ألف كيلومتر مربع (30 300000). أي أنها تشكِّل خمس يابسة العالم. وتضم هذه القارة أربعاً وخمسين دولة مستقلة. يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار نسمة، يشكّلون نسبة 15 في المائة من تعداد سكان العالم.
 الثروات المعدنية :
على الرغم من اشتهار إفريقيا بالفقر والحاجة، إلا أنها -وعلى أساس الاحصائيات الدولية- تسبح على بحر من الثروات والمعادن النفيسة، إذ تتوفر على[2] :
  • 96% من الماس الموجود في العالم.
  •  65% من الذهب الموجود في العالم.
  • 50% من الفوسفاط...
  • 30% من التوريوم واليورانيوم...
  • 90% من الكروم...
  • 85% من البلاتين...
  • 50% من الكوبالت...
  • 55% من المنغنيز...
  • 40% من بوكيست...
  • 13% من النحاس
تتوفر القارة الافريقية على معادن أخرى توجد بكميات وافرة كالحديد والقصدير والرصاص والقلع والفحم الحجري والأحجار الكريمة والنيكل.
الثروات الطبيعية :
بسبب الأمطار الغزيرة التي تتهاطل على القارة الافريقية فإن أكثر أراضيها تمتاز بخصوبة عالية، وتزخر بغابات كبيرة وكثيفة، ويعتقد خبراء الزراعة أنه لو تم استغلال الامكانيات الفلاحية لهذه القارة بالشكل المطلوب فإنها تستطيع تأمين الغذاء لكافة شعوبها.
الموقع الاستراتيجي :
من الناحية الجيوسياسية فإن موقع إفريقيا بين القارتين الآسيوية والأوروبية، ووجود المعابر المائية الإستراتيجية الأربعة وهي قناة السويس، ومضيق جبل طارق، وباب المندب، ورأس الرجاء الصالح، أكسب هذه القارة أهمية بالغة.
توجد عشر دول إفريقية بين الدول المصدّرة للبترول في العالم، نذكر منها : نيجيريا وليبيا والغابون والجزائر وأنغولا.
الدين:
أكثر من نصف سكان القارة الافريقية يعتنقون الدين الاسلامي بنسبة تصل إلى %55، بعبارة أخرى، فإن القارة الإفريقية هي القارة الوحيدة التي يشكِّل فيها المسلمون غالبية السكان، وبناء على الاحصائيات المنشورة فإن وتيرة نمو المسلمين في إفريقيا أسرع من باقي القارات. هذا وسجَّل انتشار الدين الاسلامي فيها خلال العقد الأخير، معدلاً أكبر من معدل انتشار باقي الديانات ومنها المسيحية.
إن أكبر دول إفريقيا مساحة هي دول إسلامية (السودان والجزائر)، وأكبر دول إفريقيا ديموغرافياً هي دول إسلامية كذلك (مصر ونيجيريا). كما أن الأديان الأصلية في القارة السوداء تقترب في عمقها، من الدين الاسلامي أكثر من الديانة المسيحية.
يعتقد الأفارقة بوجود قوة غيبية واحدة، وهذه العقيدة حالت دون نفوذ الأفكار المبنية على التثليث المسيحي في المجتمع الإفريقي. كما يعتقدون أيضاً بوجود الروح والمعاد الروحاني والجسماني وتعدد الزوجات واحترام الوالدين لدرجة التقديس، وبالنظر إلى هذه المعتقدات فإن الأرضية مهيأة لقبول الاسلام أكثر من أي دين آخر. ولعل لهذا السبب يعتقد البروفيسور الكيني من أصول عمانية علي المزروعي المتخصص في الشؤون الافريقية أن "إفريقيا ستكون في المستقبل قارة الإسلام"[3].
اللغـــــــة :
اللغات الإفريقية الأصلية هي إما لغات إسلامية أو لغات لها جذور إسلامية.
انتشرت اللغة العربية أو مكوناتها، في إفريقيا، التي تأثّرت معظم لغاتها ولهجاتها أيّما تأثّر باللغة العربية والحرف العربي. ولفترة ليست بعيدة كانت اللغة العربية، اللغة الأكثر استخداماً في كثير من الدول الإفريقية، كما أنّ الحرف العربي هو الحرف الذي اعتمدته معظم اللغات أو اللهجات غير المكتوبة.
اللغة السواحيلية المنتشرة في شرق القارة هي مزيج من اللغات العربية والفارسية والتركية التي دخلت إليها عن طريق البلدان الاسلامية، إذ دخلت اللغة العربية مبكّراً مع هجرات العرب سواحل الشرق الافريقي، وبالخصوص مع العمانيين الذين أسسوا حضارة كبيرة في المنطقة. أما اللغة الفارسية فدخلت على يد الشيرازيين الذي أسسوا دولة إسلامية في المنطقة[4].
عضوية الدول الافريقية في منظمة الأمم المتحدة :
دولياً تشكل مجموعة الدول الإفريقية ما يقارب ثلث أعضاء منظمة الأمم المتحدة وباقي التشكيلات المتعلقة بها.
مما لاشك فيه أن الدور الدولي الذي لعبته البلدان الإفريقية كان دائماً مؤثراً في التحولات التي عرفها العالم، وأن دول العالم تحتاج إلى مواقف هذه البلدان لتحقيق أهدافها الدولية.
فعلى سبيل المثال فقد كان لآراء الدول الإفريقية تأثير كبير في مساعي الصين لأخذ مقعد تايوان في مجلس الأمن. وإندونيسيا تحتاج إلى آراء هذه الدول لحل أزمة تيمور الشرقية.
وجدير بالذكر أن جهود التنسيق بين هذه الدول في منظمة الأمم المتحدة أفضت إلى استقلال ناميبيا والقضاء على العبودية والميز العنصري في جنوب إفريقيا. وإيران من جهتها تعتبر موقف الدول الافريقية عاملاً مهماً لمواجهة الضغوط السياسية للدول الغربية في المجامع الدولية، وخاصة في لجنة حقوق الانسان.
الغنى الحضاري وعراقة العادات والتقاليد الافريقية :
تزخر القارة الافريقية بفنون متنوعة كالموسيقى والرقصات المحلية، وصناعة التماثيل. وتقاليدها وعاداتها القديمة لها غنىً فني وجاذبيات فولكلورية كثيرة.
كما أن الفن الإفريقي في السنوات الأخيرة وصل إلى مدارس علم الاجتماع العلمية في العالم.



[1]  أستاذ اللغة الفارسية وآدابها بكلية الآداب بالجديدة وباحث في الدراسات الايرانية.
[2]  للإطلاع على المزيد من الاحصائيات والأرقام، يمكن مرجعة المصادر التالية :
1/ Africa development report 2001
2/ Donald Spark , Economic trends in Africa South of the Sahara 2001 , Africa South of the Sahara 2002
3/ Guy Arnold ,"A guide to African political and Economic Development ", London Fitzory Dearborn pub 2001

[3]  الدور العمّاني في الشرق الافريقي، مداخلة ألقاها الدكتور المزروعي في ندوة دولية في جامعة السلطان قابوس في مسقط بسلطنة عمان دجنبر 2007.
[4]  أنظر في هذا الصدد : مها عبد المجيد، اللغوية في العلاقات العربية ـ الإفريقية، موقع المجلس الدولي للغة العربية، نقلاً عن الهيئة العامة للاستعلامات – مصر، 2009. محمد عبد الغني سعودي، مكان اللغة العربية ومكانتها والتحديات التي تواجهها في إفريقيا، معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب، 2009.  كمال محمد جاه الله، وضع اللغة العربية في دول القرن الإفريقي، معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب، 2009.



[1]  سیاست و حکومت در آفریقا، (السياسة والحكومة في إفريقيا)، محسن پاک آیین، طهران، منشورات" نقطه"، 1999، ص 90.
[2]  گفتمان تاریخی مسلمانان اتیوپی، حسین احمد، ماهنامه زمانه، شماره 20.

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&


إطلالة على تاريخ العلاقات الإيرانية الإفريقية 1- 2
المصدر: مختارات إيرانية
د/ محمد نور الدين عبد المنعم


هذا عرض لبحث بالفارسية عنوانه: "نكاهى به تاريخيه روابط ايران وقاره أفريقا" موجود على الموقع الإليكترونى، وهو يتضمن معلومات عن العلاقات بين إيران وبعض الدول الأفريقية ومنها مصر قبل الثورة الإسلامية وبعدها.
وكاتب هذا البحث هو السيد محسن پاك آيين وكيل الشئون الثقافية بهيئة الثقافة والإتصالات الإسلامية. ومن مؤلفاته كتاب "سياست وحكومت در آفريقا" أى: السياسة والحكومة فى أفريقيا، وهو كتاب منشور فى طهران عام 1377ش (1998م). ويتضح من خلال المعلومات التى وردت فى هذا البحث أن الكاتب قد تولى مؤقتا منصب القائم بالأعمال فى سفارة بلاده فى لوساكا عاصمة زامبيا عام 1988م، ثم سفيرا لها هناك فى عام 1989م.
ويبدأ الكاتب بحثه بالحديث عن الإرهاصات التاريخية فى العلاقات مع أفريقيا، ويشير إلى الملك داريوش الهخامنشى الذى فكر فى حفر قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط مما يدل على وجود علاقات بين إيران والقارة الإفريقية منذ 2500 سنة، كما تدل هجرة المسلمين إلى الحبشة فى بداية ظهور الإسلام أيضا على قدم هذه العلاقات.
أما عن العلاقات الإيرانية الأفريقية قبل قيام الثورة الإسلامية فلم يكن لدى الأنظمة الملكية الإيرانية علاقات واسعة مع الدول الأفريقية بسبب وقوفها بجانب القوى المسيطرة فى العالم، وكانت جنوب أفريقيا فقط على علاقة طيبة بالنظام البهلوى نظرا لما تتمتع به من مواصفات وسمات خاصة. وفى هذه الحقبة الزمنية كان لإيران مكاتب تمثيل سياسى فى تسع دول من دول هذه القارة فقط.
وبعد نجاح الثورة الإسلامية تغيرت السياسة الخارجية لإيران، وحازت إقامة علاقات مع الدول غير المنحازة والدول النامية - وخاصة فى القارة الأفريقية - على الأولوية. وكانت أول خطوة تتخذها الحكومة الإسلامية فى إيران هى قطع كافة العلاقات السياسية والإقتصادية، وخاصة تصدير البترول، مع جنوب أفريقيا ؛ وفتح مكتب تمثيل سياسى لسواپو فى إطار تأييد نضال الشعوب الإفريقية ضد العنصرية.
وبدأت إيران كذلك فى تقديم المساعدات إلى دول المواجهة والتنظيمات والمؤسسات المناضلة مثل المؤتمر الوطنى الأفريقى (ANC) ومؤتمر بان افريكان (PAC). ونشطت مكاتب التمثيل الدبلوماسى الإيرانية فى دول المواجهة، ومن جملة هذه الدول زيمبابوى، وموزمبيق، وتنزانيا، وناميبيا، وزامبيا. وكان سفر آية الله خامنه اى رئيس الجمهورية آنذاك إلى دول أنجولا وتنزانيا وموزمبيق وزيمبابوى نقطة تحول فى تاريخ العلاقات الإيرانية الأفريقية.
وفى العقد الأول من نجاح الثورة، أصبح لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستة وعشرون مكتبا للتمثيل الدبلوماسى فى دول أفريقية مختلفة، مهمتها العمل على تنمية أوجه التعاون السياسى والإقتصادى الثنائى المتبادل. وقد قل عدد هذه المكاتب فى السنوات الأخيرة ليصل إلى أقل من عشرين مكتبا. وأدى إنهيار الإتحاد السوفييتى وظهور تحولات عميقة نتيجة له إلى إهتمام الدول الصناعية بأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وتقلص مساعداتها لإفريقيا، ولم تبق هذه المسألة خافية على الدول الأفريقية كواقع، مما أدى إلى تمهيد سبل التعاون الجنوبى الجنوبى أكثر من ذى قبل.
ولكى تحقق الجمهورية الإسلامية أهداف أوجه التعاون هذه بشكل إيجابى عن طريق التوسع فى العلاقات مع الدول الأفريقية قامت بالإستفادة من إمكانياتها وقدراتها، وعن طريق التعاون المتبادل بتأمين القسم الأساسى من إحتياجات الجانبين، وتحقيق أهداف أوجه التعاون الجنوبى الجنوبى. ومن البديهى ان تقوية العلاقات الإقتصادية تؤدى إلى تقوية العلاقات السياسية والثقافية والدولية، وقد ضاعف هذا الجانب من أهمية تنمية التعاون مع القارة الإفريقية. وسوف يتناول هذا البحث العلاقات الإيرانية الإفريقية بشكل إجمالى كمايلى:
- أثيوبيا: 
- العلاقات الإيرانية الأثيوبية قبل الثورة:
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين النظام الملكى وأثيوبيا فى عام 1329ش (1949م) وذلك عن طريق إرسال أول سفير لإيران إلى أديس أبابا. وكانت هذه العلاقات نتاجا للصداقة القوية التى ربطت بين شاه إيران والإمبراطور هيلاسلاسى امبراطور اثيوبيا. وفى عام 1340ش (1960م) إفتتحت سفارة إيران رسميا فى أديس أبابا، وعلى الرغم من أن هذه السفارة قد أغلقت بعد عام واحد أى فى سنة 1341ش (1961م)، إلا أنه أعيد فتحها من جديد فى عام 1343ش (1964م) عقب سفر وفد النوايا الحسنة الإيرانى إلى أثيوبيا وإعلان الجانبين عن ضرورة تنمية العلاقات الإقتصادية وتطويرها.
وكانت فترة حكم نظام هيلاسلاسى هى التى بلغت فيها العلاقات بين البلدين أوج إزدهارها، ويدل إشتراك هذا الإمبراطور فى إحتفالات مرور ألفين وخمسمائة عام على قيام الإمبراطورية الإيرانية والحفاوة البالغة التى قوبل بها على حرارة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وعلى الرغم من كل هذا، فقد إمتنعت اثيوبيا عن فتح سفارة لها فى إيران لأسباب إقتصاديـة، وكان سفيرها فى الهند هو سفيرها المعتمد فى إيران.
وفى عام 1353ش (1974م) فترت العلاقات بين البلدين عقب وقوع الإنقلاب العسكرى فى اثيوبيا، وقد أدى سقوط هيلاسلاسى وتولى حكومة عسكرية منحازة إلى الإتحاد السوفييتى بزعامة "منجيستو هيلاماريام" وكذلك تأييد شاه إيران للنظام الصومالى فى حرب "اوجادين" إلى توتر العلاقات بين البلدين، وإستمر هذا الوضع حتى نجاح الثورة الإسلامية فى إيران.
- العلاقات الإيرانية الإثيوبية بعد نجاح الثورة الإسلامية: 
بعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران كانت أثيوبيا من أوائل الدول الأفريقية التى إعترفت بجمهورية إيران الإسلامية رسميا، وخلال فترة الحرب المفروضة (الحرب العراقية الإيرانية) أدانت أثيوبيا مرات عديدة المواقف العدوانية الساعية إلى السلطة، وأكدت على حق الشعب الإيرانى فى الدفاع عن نفسه وعن حدوده.
ومع إفتتاح السفارة الإيرانية فى أديس أبابا واللقاءات المتعددة بين المسئولين السياسيين والإقتصاديين فى البلدين تطور مستوى العلاقات الثنائية بين إيران واثيوبيا بشكل ملحوظ إلى درجة أن السيد "تاميرات لاينه" رئيس الوزراء الإثيوبى الأسبق زار طهران فى وقت رئاسة آية الله خامنه اى للجمهورية، وخلال هذه الزيارة، تم التوقيع على أولى الإتفاقيات الإقتصادية بين البلدين فى مجال التعاون البترولى والصلب ومواد البناء. ولا شك فى أن العلاقات الإقتصادية الإيرانية الإثيوبية قد تطورت ونمت بشكل أفضل تبعا للعلاقات السياسية الثنائية بعد تنحية حكومة العقيد "منجيستو هيلاماريام" وتولى السيد "ملس زنادى" الحكومة المؤقتة فى هذه البلاد، وتحسنت مع بدء فترة رئاسة السيد "نجاسوجيدادا" للجمهورية، إلى أن عقد أول إجتماع للجنة التعاون المشترك بين البلدين فى 26 بهمن عام 1378ش (1999م) فى مدينة أديس أبابا. وخلال هذا الإجتماع قررت وفود الممثلين التجاريين والصناعيين الإيرانيين والإثيوبيين إتخاذ ما يلزم نحو التعرف على أفضل الوسائل لتحسين الأوضاع الإقتصادية وسد نقاط الفراغ فى التعاون مع بعضهما عن طريق تبادل المعلومات التجارية ووفود خبراء القطاع الخاص.
وبعد فترة قليلة أكد السيد "آشالوهيلا" رئيس الغرفة التجارية والصناعات والمعادن الإثيوبية فى لقاء له مع نظيره الإيرانى فى طهران المهندس "خاموشى" على أن البنك المركزى الإثيوبى سوف يعتمد العقود الإعتبارية للتجار الإثيوبيين من أجل إستيراد المواد الكيميائية والمنسوجات والآلات والمعدات من إيران. وبناء على تقديم هذه التسهيلات، تم تصدير أول شحنة من عربات النقل من طراز فولفو F12 التى إشتملت على 50 عربة نقل صناعة شركة "كاوه" الإيرانية بقيمة 3.5 مليون دولار إلى أثيوبيا. ومن ناحية أخرى، فقد توسع البلدان فى علاقاتهما التجارية فى مجال شراء البضائع المختلفة مثل الفواكه المجففة، والمنتجات الغذائيـــة، والمصنوعات المعدنية.
وقد عُقد الإجتماع الثانى للجنة التعاون المشترك بين إيران واثيوبيا فى شهر دى ماه من عام 1380ش (2001م) فى طهران، وفيه تم التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن أوجه التعاون العلمى والفنى بين البلدين. وطبقا لمذكرة التفاهم هذه تعهدت كل من إيران وأثيوبيا بالتعاون فيما بينهما فى مجالات الزراعة، والطب البيطرى، والإذاعة والتلفزيون، والصحة والعلاج، وتطوير السياحة، وتشجيع الإستثمار والصرافة. ومن ناحية أخرى، تم تكليف خبراء من الجانبين بدراسة سبل التعاون الثنائى من أجل إنشاء مذابح آلية، وصناعات يدوية، والتخطيط لإنشاء مصانع للسكر واللبن الجاف وكذلك خطوط لصناعة ملح الطعام، وإستخراج الزيت من الحبوب النباتية.
ومن أهم المنتجات الإيرانية التى كانت تصدر إلى أثيوبيا الأدوات والأوانى البلاستيكية، والقار، والشمع، والبرافين، والكبريت، والأقمشة، والقطيفة، والبسكويت واللبان، ومنتجات الألبان، وسلك غسيل الصحـــــــون، والزبيب، والمشمش المجفف، والفواكه المجففة، والأثاث الخشبى، والصمغ، والزجاج، والصلب المخلوط، والأحذية الواقية من الماء، والخرطوش الآلى، والمعدات الآلية وقطع الغيار، والزنبرك، والخطاطيف، والكُلابات، وسائر المصنوعات المعدنية.
وفى هذه الفترة كان حجم الواردات الإيرانية من اثيوبيا لا يذكر، وكانت فى معظمها تضم بعض قطع غيار المعدات الآلية والسيارات. وقد أخذ البلدان فى إعتبارهما - بالإضافة إلى تقوية العلاقات الإقتصادية المذكورة - ضرورة إتخاذ إجراءات أكثر جدية لتطوير وتنمية صادرات الخدمات الفنية والهندسية، وخاصة فى مجال إنشاء السدود وتعبيد الطرق، وإنشاء المولدات المختلفة، وتجفيف الأنهار، والزراعة، وتنمية الصناعات المعدنية.
وتعود العلاقات الثقافية بين البلدين أيضا إلى القرن السابع عشر الميلادى حيث كانت هناك دائما تعاملات تجارية بين التجار الإيرانيين ودولة أثيوبيا، وتشاهد بعض الألفاظ الفارسية ضمن ألفاظ لغة سكان هذه البلاد، أى اللغة الأمهرية، وهى اللغة الرسمية لإثيوبيا. وقد وردت فى الكتب التاريخية الإثيوبية أمثلة كثيرة عن تواجد الإيرانيين فى مدن أثيوبيا الهامة مثل هرارى HARAAR وديره دا?ـــا DIREH-DAVA مما يدل على وجود تبادل تجارى وثقافى كبير فى القرون الماضية بين البلدين، وكمثال على ذلك إهداء الحاكم الأثيوبى فى القرن السابع عشر الميلادى هدية عبارة عن حيوان وحيد القرن لحاكم أصفهان آنذاك.
والواقع أنه على الرغم من أن حكومة "هيلا ماريام" كانت منحازة فى سياستها الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنها لم تسمح للسفارة الإيرانية فى أثيوبيا للقيام بعدة أنشطة ثقافية.
وفى عام 1989م وبناء على إقتراح من الجمهورية الإسلامية الإيرانية تم التوقيع على أول مذكرة تفاهم ثقافى بين الدولتين، وذلك فى نفس الوقت الذى تأسس فيه المركز الثقافى بسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى أثيوبيا رسميا وبدأ فيه نشاطه.
العلاقات بين الدولتين بعد سقوط حكومة هيلاماريام
بعد سقوط حكومة "هيلاماريام" فى أثيوبيا وتولى الحكومة الإنتقالية الحكم فى عام 1991م، واجهت العلاقة بين البلدين تحولات إيجابية نسبيا من جديد ؛ ذلك لأن الحكومة الإنتقالية الجديدة قد فتحت المجال عمليا أمام جميع الدول ومنها جمهورية إيران الإسلامية للقيام بنشاط أكبر عن طريق إعلانها لحرية النشاط الدينى والديمقراطية. وقد وقعت مذكرة التفاهم الثقافى الثانية مع الحكومة الفدرالية الجديدة فى عام 2000م مع الجانب الأثيوبى. وأدت المواقف المشتركة للجانبين فى مواجهة التحولات العالميـــــــة، ومساعدة إيران للمضارين من القحط فى أثيوبيا، ووجود أكثر من عشرين مليون مسلم هناك، وأسلوب التعاون بين البلدين فى حركة عدم الإنحياز إلى زيادة أواصر الصلة ومتانة العلاقات بين الجانبين وتأسيس سفارة أثيوبية فى طهران. وقد إدعى المسئولون الأثيوبيون مرارا أن تأسيس سفارة أثيوبية فى طهران كان له أهمية كبيرة إلى درجة أن الحكومة الأثيوبية قد أغلقت سفاراتها فى براغ وأثينا وكينشاسا من أجل توفير ميزانية تأسيس هذه السفارة فى طهران.
وما زالت العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأثيوبيا قائمة على مستوى السفير وتعمل سفارة الدولتين فى طهران وأديس أبابا حتى الآن.
جنوب أفريقيــــــــا 
إيران وجنوب أفريقيا قبل الثورة وبعدهـــــــا
كانت العلاقات بين جنوب أفريقيا والنظام الملكى فى إيران علاقات قوية قبل قيام الثورة الإسلامية نظرا للتوجهات العنصرية والتوافق الحاصل بينهما وبين أمريكا والغرب، وكانت إيران توفر لها 90% من إحتياجاتها البترولية. ومن الخطوات والإجراءات الهامة التى قامت بها إيران بعد نجاح الثورة قطع العلاقات مع جنوب أفريقيا وخاصة تصدير البترول. وقد إتخذت هذه السياسة فى إطار مكافحة التمييز العنصرى ومعارضتها له وتأييد النضال والكفاح ضد التفرقة العنصرية بين شعب جنوب أفريقيا.
وبعد إنتصار حركة كفاح شعب جنوب أفريقيا ضد التفرقة العنصرية وإلغاء التمييز العنصرى بدأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحكومة جنوب أفريقيا غير العنصرية بزعامة "نيلسون مانديلا" علاقاتهما السياسية إعتبارا من 20 ارديبهشت عام 1373ش (1994م)، وتم إفتتاح سفارة إيران فى "بريتوريا". وشارك نائب وزير الخارجية أيضا على رأس وفد رفيع المستوى فى حفل تنصيب "مانديلا".
وكانت العلاقات السياسية والإقتصادية بين البلدين قد قطعت بعد نجاح الثورة الإسلامية ومعارضة إيران للسياسات العنصرية التى كانت تتبعها حكومة "بريتوريا" بشكل كامل، وعادت العلاقات من جديد مع مجئ حكومة "نيلسون مانديلا" ونهاية النظام العنصرى فى هذه البلاد وتطورت بشكل سريع، وقام السيد هاشمى رافسنجانى فى عام 1375ش (1996م) بزيارة هذه الدولة كأول رئيس إيرانى يزورها، كما قام السيد "نيلسون مانديلا" أيضا بزيارة طويلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد ساعدت هذه التحركات على نمو وتطور أوجه التعاون الإقتصادى بين البلدين. ويعتبر مد خطوط منتظمة للنقل البحرى من ميناء "بندر عباس" إلى ميناء "دوربان" بواسطة الأسطول الملاحى للجمهورية الإسلامية الإيرانية من الإنجازات الهامة فى مجال التعاون الإقتصادى. وعلى الرغم من أن الإتصالات الجوية بين البلدين لم تستقر بشكل مباشر حتى الآن، إلا أن الرحلات الجوية الرئيسية تتم عن طريق الإمارات المتحدة العربية. وقد زاد حجم التبادل التجارى بين البلدين من 11.3 مليون دولار فى عام 1374ش (1995م) إلى أكثر من 106 مليون دولار فى عام 1379ش (2000م)، كما وجدت أيضا إمكانات كثيرة كما كان فى السابق من أجل تقوية العلاقات التجارية الثنائية، وخاصة فى مجال الأنشطة الفنية والهندسية وشق الطرق ونقل التجارب والخبرات الصناعية، وقد عقد فى طهران الإجتماع السادس للجنة المشتركة للبلدين أيضا فى عام 1380ش (2001م) بحضور وزير خارجية جنوب أفريقيا.
ويمكن الإشارة إلى بعض الأحداث الهامة فى العلاقات الثنائية ومنها سفر السيد خاتمى رئيس الجمهورية إلى بريتوريا فى عام 1377ش (1998م)، وذلك للمشاركة فى قمة الدول غير المنحازة والزيارات المنفصلة التى قام بها وزراء الخارجية، والمعادن والغازات، والبترول، والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والإسكان وبناء المدن لجنوب أفريقيـــــــــا. وخلال هذه الزيارات تم التوقيع على ثلاث عشرة إتفاقية سياسية وإقتصادية وتجارية وثقافية بين الدولتين. ويتضح أن جنوب أفريقيا نظرا لموقعها الجغرافى المتميز وعضويتها فى منظمة التجارة العالمية يمكن أن تكون بوابة جيدة لدخول البضائع الإيرانية إلى أسواق جنوب أفريقيا. كما أن إنتقال خطوط إنتاج بعض الصناعات الإيرانية التى تجد لها سوقا مناسبا فى الدول المجاورة لجنوب أفريقيا، تحل مسألة نفقات النقل وزمن إرسال البضائع إلى جنوب أفريقيا. ومن ناحية أخرى، فإن الموقع الجغرافى المتميز لإيران على شواطئ الخليج ومجاورتها للجمهوريات حديثة الاستقلال فى آسيا الوسطى، مهد المجال أمام عبور منتجات جنوب أفريقيا عن طريق إيران إلى الأسواق المذكورة. وما زالت العلاقات بين البلدين حتى الآن تقوم على مستوى السفير وتعمل سفارتاهما فى طهران وبريتوريا.
زامبيــــــا 
تطور العلاقات قبل الثورة وبعدهــــا 
حال وجود علاقات حسنة بين النظام الملكى الإيرانى والنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا دون قيام علاقات سياسية مع النظام البهلوى ودول المواجهة المناضلة ضد التمييز العنصرى بزعامة زامبيا قبل قيام الثورة الإسلامية. ومن ثم فإن البلدين كانتا محرومتين من العلاقات السياسية فى هذه الفترة. وبطبيعة الحال كانت حكومة زامبيا ترسل وفودا إلى طهران لحث إيران على وقف بيع البترول إلى جنوب أفريقيا، وبذلت جهدا لكى تُفعل خطة عزل هذا النظام عن طريق قطع علاقات النظام الملكى للشاه مع جنوب أفريقيا، إلا أن هذه الوفود كانت تواجه دائما بفتور من المسئولين الإيرانيين، إلى درجة أنه حدث ذات مرة أن مبعوث السيد "كينيث كاوندا" كان ينتظر الحصول على تأشيرة دخول لإيران وهو فى "جدة"، فإذا بهم يرسلون إليه رسالة مفادها أنه إذا كان قادما لطهران للنزهة فلا مانع من ذلك، أما إذا كانت زيارته هذه من أجل التفاوض حول عدم بيع البترول إلى النظام فى "بريتوريا" ؛ فالأفضل له أن يعود إلى زامبيا، ذلك لأن جواب إيران عليه سيكون بالسلب. وبعد نجاح الثورة الإسلامية كانت دولة زامبيا من أوائل الدول التى إعترفت رسميا بالثورة الإسلامية فى إيران ورحبت بوقف بيع البترول الإيرانى إلى جنوب أفريقيا.
ومع بدء الحرب المفروضة لم يعد من الممكن إقامة علاقات سياسية بين البلدين نظرا لمواقف زامبيا غير العادلة التى ترجع إلى العلاقات القديمة بينها وبين العراق والصداقة التى كانت تربط بين "كينيث كاوندا" و "صدام حسين". وقد تأكدت ضرورة إقامة علاقات سياسية بين إيران وزامبيا فى عام 1366ش (1987م) أثناء سفر آية الله خامنه اى رئيس الجمهورية آنذاك إلى زيمبابوى للمشاركة فى مؤتمر الدول غير المنحازة وعقب لقائه مع السيد "كاوندا".
وتنفيذا للنتائج التى أسفرت عنها هذه الزيارة قامت العلاقات السياسية بين البلدين فى النصف الأول من عام 1367ش (1988م) وتوجه كاتب هذا البحث إلى لوساكا بوصفه قائما بالأعمال بصفة مؤقتة لتأسيس سفارة هناك. وقد بدأت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية نشاطها فى زامبيا رسميا فى 15/2/1367ش (1988م). ولم يمض وقت طويل إلا وتغيرت مواقف حكومة زامبيا بخصوص الحرب المفروضة نتيجة الجهود المستمرة التى كانت تبذلها هذه السفارة، وقد أعرب رئيس جمهوريتها مرتين إحداهما فى مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية والثانية فى مؤتمر حركة عدم الإنحياز عن موقفه تجاه الحرب المفروضة وأبدى أسفه. وبعد أن قبلت إيران بالقرار رقم 598 أعلن النظام فى زامبيا عن مساندته لمواقف إيران الساعية إلى السلام وطالب حكومة العراق بتفعيل مضمون هذا القرار ومحتواه.
زيارة رئيس وزراء زامبيا لإيـــــــــران 
وعقب هذه التحولات سافر السيد "ماليجاماشا" رئيس وزراء زامبيا إلى إيران على رأس وفد رفيع المستوى فى عام 1368ش (1989م) وكان فى إستقباله السيد "حبيبى" النائب الأول لرئيس الجمهورية. وفى هذه الزيارة تم التوقيع على مذكرة تفاهم أصبحت فيما بعد أساسا لأوجه التعــــــاون. وفى هذا العام زار زامبيا كل من الدكتور "ولايتى" وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسيد "شيخ الإسلام" وكيل وزارة الخارجية أيضا كل على حدة.
زيارة رئيس المجلس الوطنى فى زامبيا لإيران 
قام السيد "موليكيتا" رئيس المجلس الوطنى فى زامبيا بزيارة طهران على رأس وفد برلمانى فى عام 1369ش (1990م)، وإستضافه آنذاك رئيس مجلس الشورى الإسلامى. وقد وافق الجانبان على تشكيل جمعية صداقة برلمانية، ثم قام بعد ذلك وفد برلمانى برئاسة السيد "روحانى نيا" رئيس لجنة المؤسسات الثورية بمجلس الشورى الإسلامى آنذاك بزيارة زامبيــا. وفى هذا العام زار زامبيا كذلك السيد "محلوجى" وزير المعادن والفلزات بالجمهورية الإسلامية الإيرانية على رأس وفد. وقد نجح هذا الوفد خلال زيارته التى إستمرت ثلاثة أيام وبعد مقابلة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونائب رئيس جمهورية زامبيا فى تفقد مناجم النحاس. وفى ختام هذه الزيارة تم التوقيع على مذكرة تفاهم حول اللجنة المشتركة وأوجه التعاون فى مجال المعادن. وبعد هذه الزيارة قام عشرة خبراء من وزارة المعادن والفلزات بزيارة زامبيا بهدف التعرف على الصناعات النحاسية والتدريب الفنى.
وفى أعقاب إحتلال العراق للكويت، واجهت زامبيا أزمة حقيقية، حيث كانت تشترى البترول من الكويت ولهذا زار إيران فى أوائل عام 1369ش (1990م) السيد "ها إيمبا" وزير القوى الزامبى. وفى هذه الزيارة عقدت أول إتفاقية بين البلدين لبيع البترول لزامبيا، وتم شراء شحنة بترول من إيران نقدا. وعقب هذه الزيارة سافر إلى زامبيا وفد من الخبراء الإيرانيين لدراسة أوضاع مصفاة البترول فى زامبيا، وسلم تقريره لوزارة القوى هناك. وفى هذا العام أيضا زار إيران وزير الدفاع الزامبى على رأس وفد عسكرى، وبعد مباحثات مع المسئولين الإيرانيين وتفقد الصناعات الدفاعية أصبح الطريق ممهدا للتعاون فيما بينهما.
إنجازات زيارة وزير الصناعة الزامبى لإيران فى عام 1369ش (1990م)
أسفرت زيارة السيد شونجو وزير الصناعة والتجارة الزامبى لإيران فى عام 1369ش (1990م) عن تشكيل أول لجنة مشتركة للتعاون الإقتصادى بين البلدين. وتم تعيين وزير الصناعة الإيرانية كرئيس إيرانى للجنة المشتركة. وفى هذا العام تم تبادل الوفود المتعددة أيضا ومن بين ذلك زيارة السيد "شيرى" رئيس الإتحاد الرياضى للقوات المسلحة الإيرانية وإهداء مبلغ مائتى ألف "كوا?ـا" إلى إتحاد القوات المسلحة الزامبية. وفى هذه الفترة تبودلت الرسائل العديدة بين رئيسى جمهورية البلدين فى مناسبة مختلفة.
وقد حضر السيد كاوندا إلى سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمناسبة وفاة الإمام الخمينى وبرفقته رئيس الوزراء وكبار المسئولين للتوقيع فى السجل التذكارى. كما حضر أيضا شخصيا إلى السفارة الإيرانية بمناسبة أحداث الزلازل الأليمة فى محافظتى زنجان وجيلان للتوقيع فى السجل التذكارى بالإضافة إلى إرسال رسالة لنظيره الإيرانى.
وفى عام 1368ش (1989م) وصلت العلاقات بين البلدين إلى مستوى السفير، وعين كاتب هذا البحث كأول سفير للجمهورية الإسلامية الإيرانية فى إيران، وأصبح سفير زامبيا فى مصر أيضا سفيرا معتمدا فى إيران. وقد ساعدت حرب الخليج على تقارب الدولتين أكثر من ذى قبل. وفى ذلك الوقت أرسل السيد "كاوندا" أيضا عدة رسائل مكتوبة وشفهية إلى السيد "هاشمى رفسنجانى" رئيس جمهورية إيران بالإضافة إلى المقابلات التى تمت بين الدكتور "ولايتى" وزير خارجية إيران ووزير خارجية زامبيافى نيويورك. وبعد إنهيار الإتحاد السوفييتى وبدء الأنشطة السياسية من أجل إستقرار نظام تعدد الأحزاب فى زامبيا إتجهت العلاقات بين البلدين إلى الركود.
كان "كاوندا" واحدا من أشهر المناضلين ضد الإستعمار والعنصريـــــــــة، وسياسيا حسن السمعة، وصاحب تجارب وخبرات ومبــــــــادئ. كما كانت زامبيا أيضا رئيسا لدول المواجهة لعدة سنوات ومن رؤساء منظمة الوحدة الإفريقية. ولم يكن لها فى هذه الفترة صلة بإسرائيل وجنوب أفريقيا، وكانت تنتهج سياسة مستقلة فى مواجهة القوى العظمى. إلا أن زامبيا اليوم قد فقدت مكانتها العالمية والإقليمية السابقة، ولم تعد تتمتع بالإستقرار السياسى والإقتصادى اللازمين، ومع هذا فإنه ينبغى النظر بإهتمام إلى زامبيا على أنها دولة أفريقية ذات موقع إستراتيجى يمكن الإهتمام بإعادة العلاقة معها فى الظروف التى تخدم فيها مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الخطوات التى إتخذت فى فترة نشاط سفارة الجمهورية الإسلامية فى لوساكا 
خلال الفترة القصيرة التى كانت تقوم فيها سفارة الجمهورية الإسلامية بأنشطتها فى لوساكا، بُذلت جهود جبارة من أجل إقامة علاقات إقتصاديـــــة، كان من نتائجها توقيع عدة مذكرات تفاهم إقتصادية وتشكيل لجنة مشتركة للتعاون الإقتصادى وعقد أول وثانى إجتماع لهذه اللجنة فى طهران ولوساكا، وإيفاد عشرة خبراء من وزارة المعادن والفلزات إلى زامبيا بهدف التدريب وبيع شحنة من النفط إلى زامبيا، وإيفاد خبراء من وزارة البترول إلى زامبيا من أجل دراسة أوضاع مصفاة هذه الدولة، وإشتراك زامبيا فى المعرض الدولى فى طهران عام 1367ش (1988م) وإشتراك الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى المعرض الدولى فى زامبيا عام 1371ش (1992م) وتأسيس مكتب لشركة الأدوية فى لوساكا، وزيارة وفود من القطاع الخاص الإيرانى لزامبيا. ولم تكتمل هذه الأنشطة تماما بسبب قطع العلاقات بين البلدين، على الرغم من أن حكومة زامبيا لا تجد مانعا من أجل إستمرار التعاون الإقتصادى بين كل القطاعات الإقتصادية فى البلدين.
وقد قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى أوقات مختلفة بأداء رسالتها الإنسانية تجاه شعب زامبيا عن طريق تقديم الأقراص المضادة للملاريا والأدوية المضادة للأوبئة وغير ذلك من الشحنات العلاجية. كما كان إيفاد الأطباء الإيرانيين بشكل دورى على مرحلتين إلى زامبيا من أجل تدريب خبراء الصحة فى هذه البلاد وتقديم مائتى مضخة مبيدات لمكافحة بعوضة الملاريا، ضمن تنفيذ سياسة الأعمال الإنسانية من قبل إيران.
الأنشطة الثقافية من قبل الجانبين 
من جملة الإجراءات الثقافية التى إتخذت أيضا تأسيس مكتب تمثيل لمؤسسة الدعوة الإسلامية بعنوان "المركز الإسلامى بزامبيا" الذى عمل على تعليم الإسلام ونشره والتقريب بين ثقافتى البلدين. وكانت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تؤدى واجبها تجاه مواطنيها عن طريق إرسال المطبوعات والكتب الفارسية للإيرانيين المهتمين بهذا. 
ومن الأنشطة الثقافية التى كانت تزاول بشكل مستمر إقامة المعارض الثقافية فى المناسبات المختلفة، والإحتفال بالأعياد والتعازى الدينية، وإقامة شعائر دعاء "كميل" للشيعة، والإتصال بالجمعيات الإسلامية والطلابية، والمشاركة الدائمة فى صلاة الجمعة.
وقد قبلت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية كذلك بالتعاون مع مؤسسة الدعوة الإسلامية وجامعة العلوم الإسلامية الرضوية بمشهد عددا من طلاب هذه الجامعة لإستكمال دراسة اللغة الإنجليزية فى زامبيا، ووفرت لهم الإمكانيات اللازمة لتدريبهم لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام كامل. وخلال فعاليات السفارة تم إيفاد سبعة من هؤلاء الطلاب إلى زامبيا قاموا بتقوية وتحسين لغتهم الإنجليزية بجانب الأنشطة الثقافية الأخرى. كما ساعدت هذه السفارة عبر مراحل مختلفة هذه المراكز حتى يرتفع مستوى أعضائها العلمى عن طريق إهداء الكتب العلمية لجامعات زامبيا والمكتبات العامة.
وعلى الرغم من قلة عدد المسلمين، فقد كانت توجد مجالات للأنشطة الثقافية الإسلامية فى المجتمع الزامبى ؛ حيث أنه توجد أوجه شبه كثيرة بين المذاهب المحلية القبلية فى زامبيا وبين التعاليم الإسلامية.
كان الشعب الزامبى يعبدإلها أزليا وأبديا بشكل فطرى، وأعرض عن قبول التثليث عند المسيحيين. وكان تغلغل المسيحية فى هذه البلاد بسبب الأنشطة والفعاليات العمرانية والترفيهية التى تقوم بها الكنيسة وليس من أجل تعاليم الإنجيل، ويجب القيام بأنشطة ثقافية على مستويات مختلفة بعد إجراء الدراسات الدقيقة والتعرف الضرورى على المجتمع الثقافى الزامبى.
منهج العلاقات بين البلدين بعد وصول "شيلوبا" للحكم 
تأزمت العلاقات الدبلوماسية بين إيران وزامبيا بعد أن تولى نظام "شيلوبا" ذو الإتجاه الغربى زمام الأمور بعد أن كانت فى نمو مطرد على عهد حكومة "كنيث كاوندا" غير المنحازة. وفى نهاية الأمر قطع النظام الزامبى علاقاته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى شهر اسفند من عام 1371ش (1992م) من جانب واحد تحت ضغط القوى الأجنبية وخاصة أمريكا وإسرائيل. وكان السبب الذى قدمته الحكومة الزامبية لذلك هو المساعدات المالية التى قدمتها إيران إلى حزب الـ"يونيپ" وهو الحزب المعارض لحكومة زامبيا من أجل قلب نظام الحكم. وبعد قطع العلاقات بين البلدين بشهر واحد أعلن "?ــرنون موانجا" وزير خارجية زامبيا فى حديث صحفى له نشر فى صحيفة الــــ "تايمز" أن نتيجة التحقيقات أسفرت عن أن إيران لم يكن لها دور فى تأييد ودعم حزب الـــ "يونيپ".
وبالتزامن مع إعلان قطع العلاقات بين زامبيا وإيران، سأل أحد أعضاء المجلس الوطنى ويدعى "بادات" وزير الخارجية عن هذا الإجراء وهل إتخذ من قبل الحكومة الإسرائيلية أم من قبل حكومة زامبيا ؟ وكان خبر هذا الموضوع الذى أذيع من كافة قنوات الإذاعة والتلفزيون الزامبية يؤكد على أنه كانت هناك أيد خفية وراء كل ما حدث. وقد طُرح هذا التساؤل مرارا من قبل الصحفيين وفى أوقات مختلفة.
وقد تناولت المجلة الشهرية "افريكان ايونتس" فى شهر ابريل من عام 1993م فى مقالة لها تحت عنوان "SHADOWY GAME" (اللعبة المبْهمة) العلاقات بين زامبيا وبين إيران والعراق، وكتبت تقول: هدد أحد الدبلوماسيين الإسرائليين الكبار وهو يقيم فى نيروبى بكينيا الحكومة الزامبية بأنه إذا لم تقطع العلاقات القوية بين هذه الدولة وبين إيران والعراق، فإننا سنعلق تقديم القروض التى تصل إلى عشرة ملايين دولار إلى زامبيا.
ويمكن القول بأن السبب الرئيسى وراء قطع العلاقات بين زامبيا وإيران كان بسبب المشكلات الإقتصادية التى تعانى منها زامبيا، والحاجة الملحة للحصول على قروض بعض الدول ومنها أمريكا، وكذلك العداء القائم بين أمريكا وإسرائيل من ناحية والجمهورية الإسلامية الإيرانية من ناحية أخرى، وسياسة عزل إيران فى المجتمع الدولى.
- مصر:
- التطور التاريخى للعلاقات منذ ظهور الإسلام وحتى قيام الثورة:
دخلت العلاقات بين الشعبين بعد ظهور الإسلام مرحلة جديدة، ونظرت الحكومات آنذاك إلى إيران ومصر على أنهما "بوابتان لدخول الإسلام إلى أفريقيا والغرب". وكانت السنوات الواقعة فى النصف الأول من القرن السابع الميلادى (المقابلة للسنوات الأولى من التاريخ الهجرى) فترة تنامى النفوذ والتوسع فى رقعة البلدان الإسلامية. ومن ثم خرجت مصر على عهد خلافة عمر من قبضة الإيرانيين واليونان على يد عمرو بن العاص. 
وفى العصر القاجارى (عام 1848م) قررت الحكومة الإيرانية آنذاك تأسيس قنصلية لها فى كل مدينة من مدن البلاد العثمانية يكون لها معها مصالح تجارية، وبادرت لأول مرة بإرسال موظف مؤقت بعنوان "راعى المصالح" من إسطنبول إلى القاهرة بعد إتخاذ هذا القرار بثمانى سنوات ؛ أى فى عام 1855م. وفى عام 1921م تحولت القنصلية الإيرانية فى القاهرة إلى سفارة.
وعلى الرغم من العلاقات الأسرية التى قامت بين ملكى هاتين الدولتين فى ذلك الوقت، فقد قطعت العلاقات السياسية بينهما فى عام 1960م عقب إقامة علاقات سياسية بين إيران والنظام المحتل فى القدس. إلا أنه تم التوقيع على بروتوكول إقامة العلاقات بين إيران ومصر فى عام 1970م بعد وفاة الرئيس "جمال عبدالناصر".
تولى الرئيس "محمد أنور السادات" الحكم بعد رحيل الرئيس "جمال عبدالناصر"، وعدل تدريجيا عن السياسات القومية التى كان يتبعها الرئيس عبدالناصر، وفى نهاية الأمر وقع إتفاقية "كامب ديفيد" مع أعظم خطر يهدد العالم الإسلامى ؛ أى النظام الصهيونى، فى عام 1979م (وهو عام إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية).
التطورات التى حدثت بين البلدين بعد الثورة وأسباب قطع العلاقات بينهما 
بعد نجاح الثورة الإسلامية قطعت العلاقات السياسية بين البلدين بسبب التوقيع على إتفاقية "كامب ديـ?يد"، وذلك فى عام 1979م وعقب صدور الأوامر بهذا من الإمام الخمينى إلى وزير خارجيته آنذاك. وقد لعبت بعض الأسباب الأخرى أيضا دورا فى توتر العلاقات الثنائية بين البلدين وهى عبارة عن:
أن حكومة مصر قد سمحت للشاه المخلوع باللجوء إليها بعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران، كما سمحت بدفنه فى أراضيها بعد موته.
أن مصر وقفت بكل قوتها بجانب العراق عقب إعتداء العراق على أراضى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
بعد أن إغتيل "أنور السادات" على يد "خالد الإسلامبولى" بعد التوقيع على إتفاقية "كامب ديفيد" أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إسمه على أحد شوارع مدينة طهران.
- تأييد مصر لإدعاءات دولة الإمارات بشأن الجزر الثلاثة (الإيرانية):
خوف مصر من تعاون إيران مع الحركة الاسلامية فى مصر، وقد واجهت مصر عقب إنتهاء الحرب العراقية المفروضة على إيران وفى المرحلة الأولى داخل العالم العربى مشكلة الطلبات العراقية المتزايدة التى بدأت فى المرحلة التالية بإحتلال الكويت، كما واجهت مخططات سياسية جديدة، وقد دفع هذا القاهرة إلى إتخاذ خطوات نحو تغيير تحالفاتها فى المنطقة. ولهذا السبب عمدت مصر إلى العمل على تحسين علاقاتها مع إيران نظرا لمكانتها فى المنطقة ودورها فى التحولات العالمية والاقليمية. كما عملت إيران أيضا على القضاء على التوتر فى العلاقات مع مصر ؛ إلا أن هذا التوجه واجه نوعا من التباطؤ النسبى بعد إفتتاح مكتبى رعاية المصالح فى البلدين. ومع وجود قطع للعلاقات السياسية بين إيران ومصر بعد الثورة الاسلامية، فإن العلاقات الاقتصادية التجارية بين البلدين إستمرت بشكل عادى ومستقر إلى حد مــــا. ومنذ بداية عام 1990م سعى الجانبان إلى إقامة علاقات بينهما على المستوى الثقافى.
- إستئناف العلاقات بين البلدين بعد الإضطرابات والقلاقل السابقة:
شهد عام 1991م تقدما حثيثا فى العلاقات الإيرانية المصرية، حيث إتفق الجانبان على فتح مكتب رعاية مصالح فى عاصمة كل منهمـــــــــا، وبعد عدة تطورات أخرى تحسن مستوى التشاور بينهما على الصعيد السياسى، ومن جملة ذلك ما كان يحدث من مشاورات على هامش بعض المؤتمرات الدولية والإقليمية وغيرها. كما أنشأ البلدان فى خطوة أخرى جمعية غير حكومية للصداقة بين مصر وإيران. ووصل حجم التبادل التجارى بين الجانبين فى عام 1997م إلى 75 مليون دولار. وقد إتخذت إيران عقب تقوية علاقاتها التجارية مع مصر خطوة أخرى فى هذا الصدد وذلك بإقامة معرض للمنتجات الإيرانية بالقاهرة قبل ذلك بثمانية شهور تقريبا. والجدير بالذكر أن هذا المعرض كان أول معرض إيرانى يقام فى مصر بعد القطع الكامل للعلاقات.
هذا وقد هنأ الرئيس "حسنى مبارك" فى 30/3/1979م فى إتصال تليفونى السيد "خاتمى" رئيس الجمهورية آنذاك بعضوية إيران فى مجموعة الـ"15". وقد إعتبر "عمرو موسى" وزير خارجية مصر آنذاك فى حديث صحفى له أن الإتصال التليفونى الذى دار بين مبارك وخاتمى لهو دليل على تحسن العلاقات بين البلدين.
من أهم التطورات التى حدثت بعد قطع العلاقات بين إيران ومصر، لقاء سيد محمد خاتمى رئيس الجمهورية الاسلامية وحسنى مبارك رئيس جمهورية مصر على هامش قمة مجتمع المعلومات العالمى. وقد إتفقت وجهات نظر الجانبين فى هذا اللقاء حول إقامة علاقات بين إيران ومصـــــــر، مما يؤدى إلى تحسن العلاقات الاقليمية والدولية ويشكل ضغطا أكبر على النظام الصهيونى كذلك، وتكون له نتائج طيبة بالتأكيد على البلدين والعالم الإسلامى.
وعقب هذه الواقعة، وفى الرابع عشر من شهر أكتوبر عام 1982م تم تغيير إسم شارع "خالد الاسلامبولى" فى طهران إلى شارع "الانتفاضة"، وإسم شارع "پهلوى" بالقاهرة إلى شارع مصدق. وفى هذا التاريخ وطبقا لوجهة نظر أعضاء مجلس مدينة طهران فقد تم تغيير إسم شارع خالد الاسلامبولى إلى شارع الإنتفاضة، وتمت الموافقة على تغيير الاسم فى الجلسة رقم 197 من الدورة الأولى لمجلس الشورى الاسلامى لمدينة طهران، إلا أن تنفيذ هذا الأمر كان منوطا بطلب وزارة الخارجية.
وقد أرسل طلب تغيير إسم هذا الشارع من قبل وزارة الخارجية إلى مجلس المدينة الثانى وتم تغيير الاسم. وطبقا لتقرير مراسل المكتب الاجتماعى لوكالة أنباء "إيلنا"، فقد صرح "حميد رضا آصفى" المتحدث بإسم وزارة الخارجية الايرانية ضمن حديثه عن أن قطع العلاقات مع مصر بعد الثورة كان بسبب القضية الفلسطينية ؛ بقوله: إن دبلوماسية الجمهورية الاسلامية الايرانية تقوم على إزالة التوتر وخلق الثقة، ويتم هذا الأمر على مبادئ ثلاثة هى العزة والمصلحة والحكمة. كما صرح أيضا عند حديثه عن نمو التعاون بين إيران ومصر بقوله: إن لإيران مع مصر كل أنواع العلاقات الاقتصادية والتجارية، إلا أنه ليس لها علاقات دبلوماسية فقط. وعلق آصفى مؤكدا على الكلام الأخير لـ"أحمد ماهر" وزير خارجية مصر بقوله: لقد ساد جو جديد فى العلاقات بين البلدين، وإهتم المصريون منذ فترة بجدية إيران فى علاقاتها مع مصر.
وأضاف قائلا: إن تغيير إسم شارع خالد الاسلامبولى لم يطرح كشرط مسبق لعودة العلاقات بين مصر وإيران، ولكن نظرا لأن كل إسم هو رمز، فمن الضرورى أن نكون مقيدين بضرورات تحول العلاقات الدبلوماسية. وطبقا لما ذكره "آصفى"، فإنه لا يمكن من الناحية الأخلاقية إقامة علاقة مع وجود قلق وعدم إرتياح. وقال: إن المصريين يعتبرون إتفاقية "كامب ديفيد" شيئا من الماضى، ويقولون إنها أصبحت تتعلق بالتاريخ، ومن ثم فإنه لا يمكن الحديث عن شئ لا وجود له. وعقب هذا التطور، وفى لقاء للسيد "كروبى" على هامش إجتماع رؤساء برلمانات الدول المجاورة للعراق أعرب رئيس مجلس الشورى الاسلامى عن أمله فى إزاحة العقبات الموجودة فى طريق نمو العلاقات بين طهران والقاهرة، وأنه سوف يشاهد فى القريب العاجل تعاون مناسب بين البلدين. ومع أخذ مجموعة الظروف والخطوات الناجحة فى الاعتبار فإنه يمكن القول بأن العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ومصر تسير فى طريق إيجابى فى الوقت الحاضر بعد فترة من التوتر.

ليست هناك تعليقات: