ريادة محمد علي جمالزاده في الأدب الفارسي المعاصر

صدر مؤخراً العدد 317 من مجلة "أفكار" التي تصدرها وزارة الثقافة الأردنية، واشتمل العدد على دراسات حول الأدب الفارسي من خلال مجموعة من المقالات، من بينها مقالي المعنون بـ(ريادة محمد علي جمالزاده في الأدب الفارسي المعاصر) إضافة إلى (نظرة إلى النقد الأدبي الفارسي للدكتور نور محمد القضاة)، و(الكاتبات الإيرانيات) لروزيتا قنبوبور، و(الرواية الاجتماعية في إيران (النشأة والتطور) للدكتورة هويدا عزت محمد...


ومما جاء في المقال :
تعتبر المرحلة المعاصرة من الأدب الفارسي التي عاش ونشأ فيها القاص الرائد محمد علي جمالزاده، مرحلة النثر بامتياز، وخاصة القصة القصيرة والرواية، لما شهدته هذه الأجناس من ازدهار لم يسبق أن تحقق من قبل على صعيد المضمون والأسلوب على حد سواء.
إذن، فقد أصبح الأدب الفارسي عموماً والقصصي على وجه الخصوص، في العصر القاجاري، الذي عاش في أحضانه محمد علي جمالزاده، مرآة تعكس الآمال والطموحات والشعور بالحاجة إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية واللغوية، وقطع الاعتماد على البلدان الأجنبية.
هذا، ويرجع الفضل في التحول الأدبي والأسلوبي في هذه الفترة، وقبل مجيء جمالزاده، إلى شخصيات عديدة نذكر منها كلا من قائم مقام فراهاني، الذي تميز بأسلوبه البسيط والجميل والموجز والخالي من المفردات الصعبة، وكذلك ميرزا جعفر وميرزا حسن فسايى ومجد الملك، ورضا قلى خان هدايت وعبد الحسين الكرماني وعبد الرحيم طالبوف وزين العابدين المراغي، وغيرهم كثير، ممن لعبوا دوراً جديراً بالملاحظة في تطور النثر والأسلوب الفارسي خلال العصر الحديث. فبالرغم من أن آثار بعضهم لا تتميز بقيمة أدبية كبيرة، إلا أنهم طرحوا من خلالها أفكاراً جديدة، امتازت بأسلوب جديد أيضا. فعبد الحسين الكرماني المعروف بـ"ميرزا آقاخان" كان ذا أسلوب مؤثر ومتميز بروح التمرد، التمرد على الجهل والأوهام والخرافات الناجمة عن استبداد ناصر الدين شاه قاجار. أما عبد الكريم طالبوف بكتابه "السفينة الطالبية" فقد أثر، بشكل واضح، في زمانه، على الأذهان وعلى الأدب الفارسي. ويعدُّ كتاب "سياحتنامه ابراهيم بيك" تأليف زين العابدين المراغي، من بين الكتب التي كانت ذات تأثير كبير على حركة الأدب الفارسي الحديث. فلا يخفى موقع الاتجاه الروائي من الحركة النثرية والأدبية المعاصرة، فقد حظيت المؤلفات القصصية باهتمام، ربما طغى على باقي الاهتمامات، أو بتعبير آخر فإن النثر الفارسي قد وقع خلال سنوات 1919- 1930 تحت هيمنة القصة القصيرة والرواية. ويمكن القول بأن "رند و رند" [خزعبلات] لعلي أكبر دهخدا، التي كانت تنشر في صحيفة «صور إسرافيل»، كانت طليعة تجربة ناجحة على صعيد كتابة القصة. إلا أنه لم يهدف إلى تقديم قصة لقارئه، غير أنه كان يعير اهتماماً خاصاً للإيقاع واللحن والنبرة، وسعى إلى أن يقدم كل شخص بلسانه ومستوى تفكيره. ولا شك أن القصة القصيرة في إيران قد بدأت بمجموعة "يكى بود يكى نبود" [كان يا ما كان] لمحمد علي جمالزاده التي صدرت في العام 1922. وكانت مجموعته هذه بداية لظهور القصص الحديثة، وفقاً للتعريف الفني والمعاصر للكلمة، وفتحاً في عالم القصة المعاصرة في إيران، ليس بسبب احتوائها على مجموعة من القصص القصيرة فقط، بل لأن ديباجة هذه المجموعة نفسها هي بمثابة بيان أدبي يرسم في ذهن كتّاب ذلك العصر رؤية جديدة، ويشجعهم على كتابة القصة والرواية وفق الأسلوب الغربي، فتشجيع الكتّاب وحثّهم على الكتابة البسيطة والسلسة كان من النقاط المهمة في هذه الديباجة. وقد تبلور أسلوبه في الاستخدام الحر للتعابير الاصطلاحية والأمثال الشعبية والعامية لإضفاء صبغة الحوار على لغته. وقد أدى ذلك إلى اختراع أسلوب أدبي جديد، كان له الأثر الكبير على الكتابات النثرية فيما بعد، واقتفى أثره العديد من القصاصين والروائيين بعده. ويعد صادق هدايت، ورغم اتجاهه الفكري الغامض والمضطرب، من أبرز الناثرين والقاصين الإيرانيين خلال القرن العشرين، وقد خطى خطوات واسعة على الطريق الذي افتتحها جمالزاده، وحقق تطوراً كبيراً في المدرسة القصصية التي أسسها. وبرع كثيراً في استخدام لغة الحوار العامي، على غرار ما فعله جمالزاده. ومن بين من اقتفى أثر جمالزاده كذلك، القاص والروائي بزرك علوى، الذي اشتهر بروايته "شمهايش" [عيناها التي تُعد أول عمل كبير له ككاتب روائي. ويُعد جلال آل احمد من رواد مدرسة جمالزاده أيضا، ومن أكثر الكُتّاب شعبية في إيران.
يعتبر سيد محمد علي جمالزاده، أبو القصة الفارسية الحديثة، في اعتقاد العديد من أصحاب الرأي، ناقداً حصيفاً وكاتباً مؤثراً في مسار القصة في إيران، إذ تمكن في وقت قصير أن يطبع جيل الشباب في عصره ببصماته الخاصة، وإن وُجد قبله آخرون كزين العابدين مراغي وطالب زاده وفتحعلى آخوندزاده، وغيرهم ممّن تركوا آثاراً ونشروا كتباً. لكن الأسلوب الذي استعمله جمالزاده، والذي يُعدُّ مزجاً وتلفيقاً بين أسلوب القصة الغربية وأسلوب القصة الإيرانية، وضعه على رأس الجيل الأول للقصة في إيران ومنحه لقب الرائد في عصره.

ملاحظات حول الترجمة من الفارسية إلى العربية

ملاحظات حول الترجمة من الفارسية إلى العربية

لا شك أن الترجمة غدت ثورة عظيمة الأثر على مختلف المستويات والأصعدة : الثقافية، والأدبية، والعلمية، وغيرها، وباتت تشكّل جسراً للتواصل بين الثقافات المختلفة والحضارات المتعددة؛ وتلعب دوراً مهما في تلاقح الأفكار وتثاقفها، والتفاعل والحوار بين الثقافات واللغات الحية، والشعوب والأمم في شتى مناطق المعمورة. فالترجمة إبداع حيوي، وتزاوج فكري، وتبادل ثقافي، وعطاء أدبي، ومشاركة علمية، وظاهرة تدعونا إلى التفاعل الايجابي مع ثقافات الشعوب الأخرى، ومحاولةِ فهم ما لدى الآخرين من أفكار ومعارف؛ وهي التي حفظت التراث العالمي من الضياع والاندثار والآفات الأخرى.
نحن مطالبون اليوم، في هذا العالم المليء بالنزاعات والفتن والقلاقل، بالانفتاح على الحضارات والثقافات واللغات الأخرى؛ لأنها تشكّل نوافذ للاستفادة من الفكر العالمي، وفي النهاية فإنَّ الهدف الذي تسعى إليه الترجمة هو المساهمة في الفكر العالمي، وإثرائه بالأفكار البناءة والمفيدة، وهنا يتجلى دورها وأثرها في التفاعل الثقافي، وما ينتجه العقل البشري.
إن الأدب الفارسي بغناه وقيمته والأدب العربي بثراه ورونقه وعالميته يعانيان، رغم ما بذل من جهد، من شح التواصل وانقطاع الأواصر، وقصورِ فرص التلاقح والتفاعل بينهما، وها هنا تكمن مهمة الترجمة الكبيرة والمسؤولية الجسيمة التي اضطلعت بها في ماضي هاتين اللغتين العريقتين والشقيقتين وتضطلع بها في حاضرهما.
إن ما يدعو للتأسف في هذا السياق هو غياب التعارف العميق والمتين بين الأدبين العربي والفارسي، وخاصة في الحقبة المعاصرة، مما يرخي بظلاله على حركة الترجمة بين اللغتين العربية والفارسية التي تعرف تعثراً بالرغم من الجهود المبذولة. وأسباب ذلك في تقديري يمكن حصرها فيما يلي :
أسباب تعثر الترجمة بين اللغتين العربية والفارسية :
- حالة الانفصال بين العالمين العربي والإيراني : ليست الحدود الجغرافية ولا الخلافات السياسية وحدها هي التي أدت إليها، بل ثمة أيضاً حدود نفسية وثقافية ومعرفية فعلت فعلها في هذا السياق، ما منع حصول أي تقارب حقيقي على المستوى الثقافي، فظل الجهل قائماً لدى كل طرف بما لدى الآخر، وما من شيء مثل الترجمة المستقلة تماماً، المنزهة عن الأغراض والأهداف القَبْلية يعمل على جَسر الهوة وإيجاد وسيلة اتصال معرفية وتبادلية بين الثقافتين تمحو ما تراكم من سوء الفهم والشكوك والاتهامات في العصر الحديث، أو على الأقل تجعل الاختلاف واعياً ناجماً عن معرفة بالآخر لا عن جهل به.
- عدم انخراط مثقفي الضفتين في نسج وشائج أدبية وثقافية بينهما : إذا كانت الظروف السياسية مسؤولة بشكل أو بآخر عن هذا الانفصال أو البعد بين العالم العربي وإيران فإن المؤسسة الثقافية الرسمية تتحمل غير قليل من هذه المسؤولية، فالمثقف العربي لا يكاد يعرف شيئاً عن ثقافة إيران التي تجاوره (ينطبق هذا أيضاً على المثقف الإيراني)، ولهذا تظل العلاقة بينهما علاقة جوار لا حوار، في حين لو توفرت مثل هذه المعرفة الدقيقة فلربما أسهمت في أن تكون صورة الآخر أقلَّ تشوشاً وأكثر عمقاً، وهنا تكمن أهمية الثقافة والأدب والفن بوصفها منصات مثلى للحوار الفاعل، القادر على فهم الآخر، وصياغة صورة أكثر واقعية وصدقية عنه.
- عدم معرفة التركيبة القومية في إيران : ثقافياً، يجري، غالباً، اختزال الأدب الإيراني في الأدب الفارسي، ولعل السبب هو عدم معرفة التركيبة القومية في إيران التي تضم قوميات أخرى كالأكراد والأتراك والتركمان والبلوش والعرب الأحوازيين. ولكل منهم أدبه أيضاً، لكن الأدب الفارسي الذي يشكل الفرع المهم والرئيس من الأدب الإيراني هو ما نعرفه بسبب تاريخه الخاص، ولأن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية، وبها صيغت التحولات الأدبية والفكرية، تلك التحولات التي شملت الشعر أولاً، ثم انسحبت على النثر وتركت عليهما بصمات شكلت فيما بعد السمات الكبرى للأدب الإيراني.

- الصورة السلبية للشخصية العربية في الأدب الإيراني : تقودنا قراءة الإبداع القصصي والروائي الإيراني، في بداياته، إلى وجود صورة سلبية للعربي تحضر في معظم أعمال الفترة المبكرة التي شهدت تنامي الشعور القومي لدى الإيرانيين، واعتُبر فيها العربي، وقتها، رديفاً للآخر الغربي (العدو)، والغريب أنها موجودة في أعمال كثيرة ولدى كتّاب لا يتوقع المرء منهم نظرة شوفينية إلى الآخر، أيِّ آخر، فما بالك بالآخر الجار أولاً والمسلم ثانياً. ففي أعمال كتّاب كبار مثل صادق هدايت ومحمد علي جمال زاده وصادق چوبك وشاه رخ مسكوب وميرزا آقاخان كرماني وغيرهم، لا تختلف صورة العربي كثيراً عن تلك الصورة النمطية التي تحضر في كتابات الرحالة والمستشرقين الغربيين، وتعكس جهلاً فاضحاً بالشخصية العربية وسماتها وعاداتها، وأعتقد أن على المثقف الإيراني والعربي أيضاً واجب تصحيح هذه الصورة، وإعادة قراءة وصياغة هذه العلاقة الملتبسة بين "العرب" و "الفرس" التي تؤدي غالباً إلى استنتاجات غير دقيقة بالمرة. بل وإعادة النظر في مفهوم «الذات» وهي تتجلى في مرآة الآخر. فقد شهدت الثقافة الإسلامية فترة ذهبية برز فيها نوع من التثاقف أساسه الاعتراف بالآخر والقبول به، وأسَّس لعلاقة وطيدة بين الأدب العربي والأدب الفارسي، كان من ثمارها عشرات الأسماء المهمة في حقل الشعر على سبيل المثال، وعرفنا فيها الخيام والشيرازي والرومي وغيرهم. 
[يتبع]

تنظيم حفل تقديم رواية "عيناها" لأحمد موسى

نظَّمت مكتبة مؤسسة عبد الواحد القادري بمدينة الجديدة في المغرب حفل تقديم الترجمة العربية للرواية الفارسية "چشمهایش" [عيناها] للروائي الإيراني المعاصر بزرگ علوی، وذلك يوم الجمعة 17 أبريل 2015 بفضاء المكتبة. وتميّز الحفل بحضور مكثّف لطلبة اللغة العربية وآدابها، طلبة الماستر والفصلين السادس والرابع، إلى جنوب حضور الكثير من محبي الأدب والشعر والرواية من مثقفي المدينة ورواد خزانة عبد الواحد القادري.
وقد أثّث فضاء هذه الجلسة الأدبية الماتعة ثلة من الأساتذة والباحثين الذين ساهموا في إغناء هذا المحفل بمداخلاتهم المتنوعة التي تناولت تحليل الرواية وتقييم الترجمة العربية والاحتفاء بمترجمها الأستاذ أحمد موسى.
وهكذا افتتح مسيّر هذه الجلسة الدكتور عز العرب إدريسي أزمي بكلمة رحّب فيها بالحضور وعرّفهم على صاحب الترجمة. ثم تعاقب على تناول الكلمة كلٌّ من الدكتور حسن مسكين، والدكتور عبد الجبار لند، والدكتور رضوان خديد، والدكتور عبد الدين حمروش، والدكتور عبد العزيز بنار. واختتم اللقاء بكلمة المترجم التي تقدم فيها بالشكر للأساتذة المشاركين في الاحتفاء، والطلبة والباحثين والحضور، كما رد على بعض الأسئلة وأجاب عن استفسارات الحضور.







النيروز في الثقافة الإيرانية : فلسفته وطقوسه


النيروز وهو معرّب كلمة "نوروز" في اللغة الفارسية، ويعنى "اليوم الجديد"، هو أكبر وأقدم الأعياد الإيرانية القومية وأشهرها على الإطلاق، وأكثرها احتفاءً بها، حتى قياساً بالأعياد الدينية الإسلامية كعيدي الفطر والأضحى. تعود جذوره التاريخية إلى آلاف السنين، حيث كانت الأقوام الآرية التي سكنت فلاة إيران في الأزمة الغابرة تحتفل باليوم الأول في السنة الموافق لبداية فصل الربيع، وتخصه بمراسم تطبعها الاحتفالية والبهجة والسرور. يُرجع بعض الباحثين جذور هذا العيد إلى عهد الملك الإيراني الأول، وهو جمشيد البيشدادي، ويسمون النيروز باسمه (النيروز الجمشيدي).
يعتقد هؤلاء الباحثون -وعلى أساس ما جاء في الأساطير الإيرانية القديمة-، أن الملك جمشيد كان اسمه في أول الأمر [جم]، حينما وصل إلى أذربيجان أمر ببناء عرش مرصّع يكون في موضع مرتفع مقابلٍ لمطلع الشمس، ووضع فوق رأسه تاجاً مرصّعاً، وجلس على عرشه حتى طلعت الشمس وانعكس شعاعها على تاجه وعرشه، فانبعث منهما برق لامع أخّاذ. ففسّر الناس ذلك بيوم جديد، ولذلك أضافوا اسم "شيد" وهو يعني الشعاع في اللغة البهلوية، إلى اسم "جم"، فأضحى اسم الملك "جمشيد"، وأقاموا حفلاً عظيماً، وسمّوا ذلك اليوم بـ"النيروز".
لكن أهم عامل يميّز النيروز عن سائر الأعياد الإيرانية القديمة ويجعله خالداً إلى اليوم هو -باعتقاد هؤلاء الباحثين- الفلسفة الوجودية التي ينطوي عليها هذا العيد، وهي التوالد والاستمرارية التي تتجسد في الطبيعة مع بداية كل سنة جديدة.
والنيروز زيادة عن كونه العيد الرسمي ورأس السنة الإيرانية، فإنه اليوم الأول من شهر "فروردين" (21 مارس إلى 20 أبريل) الذي يقابل برج الحمل، أول شهور السنة الفارسية، ويصادف حلوله حدوث الاعتدال الربيعي، في نفس الوقت الذي تُتِمُّ فيه الأرض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة. في ذات الوقت تعلن طلقات المدفع حصول "التحويل"، كما يقال في إيران، فتبدأ الأفراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة ـ ومعها الإنسان ـ من فترة الفاصل الذي يمحو الزمن ويضع حداً للماضي، ولكن يعلن في آن واحد عن "العودة"، عودة الحياة وتجددها.
http://www.hespress.com/writers/258660.html

الكلمات الدخيلة في اللغة الفارسية الدّرية (الأفغانية)




الكلمات الدخيلة في اللغة الفارسية الدرية (الأفغانية)
ما هي اللغة الأجنبية في أفغانستان ؟
عن موسوعة"آريانا" بتصرف
د. أحمد موسی

حظر المجلس الوزاري الأفغاني في زمن الرئيس السابق، حميد كرازاي، استعمال "اللغات واللهجات الأجنبية" كما منع استخدام الكلمات "غير المألوفة" في اللغة الفارسية الدرية (اللغة الأفغانية).
ما يثير الانتباه في هذا القرار الأفغاني الذي يبدو أنه ينتصر للغة والهوية المحليتين هو منظور الحكومة من "اللغات الأجنبية" و"الكلمات غير المألوفة". أما هل بالإمكان التعامل مع الثقافة، بصفتها ظاهرة متينة ومتطورة بشكل مطلق وقاطع، فهذا الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل.
رغم أن المجلس الوزاري المنعقد لم يشر بشكل مباشر إلى لغة أو لهجة بعينها، إلا أن تحليل وقراءة كيفية تعامل الحكومة الأفغانية مع مختلف اللغات قد يسعف في حل هذا اللغز، ويساعد في تحديد مقصود الحكومة من "اللغات الأجنبية" و"الكلمات غير المألوفة".

اللغة العربية :
تاريخ الفتوحات العربية والصلات الدينية بين العرب وبين المناطق الفارسية تاريخٌ عريق يحمل وراءه ميراثاً ثقيلاً من تجليات الثقافة العربية التي تركت بصماتها الواضحة في كل الأقاليم والأمصار المفتوحة. وإحدى أهم هذه الآثار المعجم العربي الذي تزخر به لغات هذه المناطق، ليس في أفغانستان وحدها، بل حتى في إيران وطاجكستان، العضوين الآخرين من أعضاء الجسم الفارسي.
في أفغانستان، لا توجد أية حساسية من استعمال المفردات العربية في اللغتين الرسميتين للبلاد الفارسية والبشتونية [لغة البشتون]، أو على الأقل رسمياً. بحيث هناك استعمال واسع للكلمات والعبارات العربية في المراسلات والمكاتبات الإدارية التي تؤكد هذا المعطى.
لقد وصل شغف المؤسسات الرسمية في أفغانستان باللغة العربية حداً بعيداً، لدرجة استعمال العبارات العربية الثقيلة في المكاتبات الإدارية عوض التعابير الفارسية البسيطة، مما يضطر المخاطب البسيط إلى ترجمتها إلى الفارسية.
فعلى سبيل المثال تُستعمل العبارة العربية "تحرير هذا المكتوب" عوض العبارة الفارسية "نوشتن اين نامه"، وتُستعمل عبارة "إلى يوم شنبه" مكان العبارة الفارسية "تا روز شنبه". ومثل هذه العبارات توجد بكثرة في اللغة الفارسية الأفغانية الرسمية، سواء في اللغة المكتوبة أو المتداولة. لذلك فاللغة العربية في أفغانستان ليست فقط غير أجنبية، وإنما هي لغة الدين، ونفوذها واسع واستعمالها مدعاة للفخر والمباهاة بين الأفغان.

اللغة الإنجليزية :
رغم أن الأعراف الدبلوماسية تقتضي أن يتحدث مسؤولو الدولة الكبار في المجامع الدولية والمؤتمرات الصحفية التي تجمعهم بنظرائهم الأجانب، باللغة الوطنية والقومية، لكن رئيس أفغانستان السابق حميد كرزاي كان له إصرار كبير على التحدث باللغة الإنجليزية. ولم يكن يستعمل إحدى اللغات الأفغانية الرسمية في تواصله خلال السفريات الخارجية إلا حينما يحل ضيفاً على إيران أو طاجكستان، وهما دولتان لغتهما الرسمية الفارسية.
وحتى في مؤتمراته الصحفية المشتركة مع الضيوف الأجانب التي كانت تعقد في كابل، كان يتحدث بالإنجليزية أكثر مما يتحدث بالفارسية أو البشتونية، بل أصدر أمراً في أواخر عهدته الرئاسية بأن تكون اللغات الدولية مثل الإنجليزية هي لغة التدريس في التخصصات العلمية داخل الجامعات الأفغانية.
هناك الكثير من الوزارات والمؤسسات الدولية في أفغانستان تحرر رسائلها الإخبارية لوسائل الإعلام باللغة الإنجليزية. أما المواقع الإلكترونية لبعض المؤسسات الحكومية فأكثرها باللغة الإنجليزية رغم أن مخاطبيها هم المواطنون الأفغان.
من ناحية أخرى، لم تعارض الجهات الرسمية، إلى الآن، الاستعمال المفرط للكلمات الإنجليزية في وسائل الإعلام. فالكلمات الإنجليزية من قبيل :  پرابلم (مشكلپروگرام (برنامجپلان (تصميمپالیسی (السياسة)، ستلايت (القمر الاصطناعيمديا (وسائل الإعلام) وغيرها كثير، باتت تتردد على لسان الخاص والعام، وتُسمع في الكثير من وسائل الإعلام المحلية دون أن تثير معارضة أي أحد.

اللغة الهندية والأردية :
لا يوجد فهرساً مدوناً للكلمات التي دخلت من اللغة الهندية إلى لغة الشعب الأفغاني، من فارسية وبشتونية. لكن هذه الكلمات انتشرت في أوساط الأفغان لدرجة لا يمكن لأي أحد في أفغانستان أن يعتبرها أجنبية أو يشك في ذلك.
فيما يلي بعض الأمثلة عن المفردات الدخيلة من اللغة الهندية إلى لغة الأفغان، والتي عادة ما تُعتبر معادلاتها الفارسية، أجنبية وغريبة :
سرك : مأخوذة من الكلمة الهندية سركا (Saraka) بمعنى الشارع.
ميله : مأخوذة من الكلمة الهندية ميلا (Mela) بمعنى المنتزه ومكان الترفيه.
پُت :  مأخوذة من الكلمة الهندية پوتا (puththa) بمعنى الخفي.
چپ : مأخوذة من الكلمة الهندية (Chup) بمعنى ساكت وصامت.
مُرچ : مأخوذة من الكلمة الهندية مِرچ أو مِراچا (Miracha & Mirch) بمعنى الفلفل.
كيله : مأخوذة من الكلمة الهندية كيلا (Kila) بمعنى الموز.
چوك : مأخوذة من الكلمة الهندية (Chowk) بمعنى الساحة.
گادی : مأخوذة من الكلمة الهندية (Gaddi) بمعنى العربة.
والا / وان : مأخوذة من الكلمة الهندية (Wala / Wan) وهي لاحقة تدل على الحرفة، مثل اللاحقة "چی" و"باشی" في الفارسية. مثال ذلك : گادی وان بمعنى سائق العربة. وموتروان بمعنى السائق.
أصل وجذر هذه الكلمات يمكن تبيّنه بسهولة تامة، لأن الأفغان تعرّفوا على السينما من خلال الأفلام الهندية، وظلوا يشاهدون الأفلام الهندية لعشرات السنين حتى من دون ترجمة.
وهناك الكثير من الأفغان ممن يتحدث اللغة الهندية ويؤدون الأغاني الهندية من دون أن يكون قد سافر إلى الهند أو درس هذه اللغة.
كان لحملة الملوك الغزنويين وباقي ملوك خراسان على الهند، وحكم المغول المتفرسين على شبه القارة الهندية لقرون، آثارٌ كبيرة على ثقافة الهند ولغتها. وإلى ما قبل الإستعمار البريطاني للهند، كانت اللغة الفارسية في بعض المقاطع التاريخية لغة رسمية للهنود، وكانت الفارسية في زمان الاستعمار اللغة الثانية في هذه البلاد.
لذلك يمكننا أن نستنتج أن التبادلات اللغوية بين الأقاليم الفارسية (ومن ضمنها الجغرافية الحالية لأفغانستان) وبين شبه القارة الهندية كانت في اتجاه واحد، نحو الهند، وليس العكس. وعلى هذا الأساس توجد الكثير من المفردات والكلمات الفارسية في اللغة الهندية، وفي المقابل ليس هناك وجود كبير للكلمات الهندية في الفارسية. أكثر الكلمات الهندية الدخيلة في الفارسية دخلت من اللغة السنسكريتية وليس من الهندية الحالية.
لكن في أفغانستان اليوم، وعلى عكس إيران وطاجكستان هناك رواجٌ كبير للكلمات الهندية، مثل النماذج التي أشرنا إليها سابقاً، والتي يبدو أنها دخلت إلى اللغة الفارسية الدّرية خلال القرن الأخير.

اللغة الفرنسية :
خلافاً لإيران، لم يكن للغة الفرنسية في أفغانستان نفوذٌ يذكر. فالمسميات الفرنسية الرائجة في إيران كالشهور الميلادية وأسماء بعض البلدان، يُستعمل مقابلها الإنجليزي في أفغانستان. ومع ذلك، لا نعدم استعمال بعض الكلمات الفرنسية في أفغانستان، من ذلك الكلمات : كابينه [الحكومة]، پارلمان [البرلمان]، ارگان [عضو]، آژانس [الوكالة]، لیسانس [الإجازةوكلمات أخرى مشابهة موجودة في اللغة الفارسية الإيرانية. ولكن هناك أيضاً كلمات فرنسية مستعملة في أفغانستان ولم تُستعمل في إيران، مثل : قوماندان (كوماندان) بمعنى الدرجة العسكرية المعروفة، پتلون (پنتالون) بمعنى السروال، سكتور بمعنى القسم أو الجزء، كلتور بمعنى الثقافة.
وبنفس الطريقة توجد في اللغتين الرسميتين في أفغانستان، الفارسية والبشتونية، الكثير من الكلمات الروسية والتركية والمغولية.
اللغة الفارسية :
ما يثير الانتباه والاستغراب، في واقع الأمر، هو الحساسية التي ما فتأت المؤسسات الرسمية الأفغانية، كالحكومة والبرلمان، تبديها، خلال السنوات الأخيرة، تجاه الكلمات الفارسية الأصيلة، وفي بعض الأحيان تجاه المعادلات الفارسية التي يصوغها مجمع اللغة الفارسية في إيران.
وكمثال على هذه الحساسية استعمال المفردات الفارسية "دانشگاه" [الجامعة] و"دانشکده" [الكلية] مقابل معادلاتها البشتونية "پوهنتون" و"پوهنزی" إضافة إلى استعمال بعض المفردات الفارسية الأخرى مثل "دادگاه عالی" [المحكمة العليا] عوض "استره محکمه"، "دادستان" [النيابة العامة] عوض "ثارنوال"، وغيرها، والتي أثارت إلى الآن لمرات عديدة حنق المسؤولين الحكوميين في أفغانستان.
ففي أفغانستان، يُعتبر استعمال الكلمة الفارسية "خيابان" [الشارع] والتي تعود قدمتها إلى مئات السنين، مدعاة للاستغراب وكأنها كلمة أجنبية. لذلك يُضطر الاستعاضة عنها بالكلمة الهندية "سرك" أو الكلمة البشتونية "وات"، أو الكلمة العربية "جادة"، التي لا تفيد معنى الشارع، على وجه الدقة، بل تطلق على الطريق خارج المدينة.

وضع المعادلات :
يساور اليوم بعض الأفغان الناطقين باللسان الفارسي القلق والشك من أن الحكومة تستهدف الكلمات الفارسية، ولا تعارض استخدام المعادلات البشتونية بقدر ما تساهم في تكريس رواجها في الإدارات والمنشورات الحكومية.
فعلى سبيل المثال يُرفض استعمال المفردة الفارسية القديمة "دبستان" [المدرسة] ويُقابل استخدامها بحساسية. لكن معادلها البشتوني "شونزى" يلقى رواجاً كبيراً دون أدنى حرج ويُكتب على لوحات الإدارات الابتدائية. كما أن استعمال مفردات فارسية أخرى مثل : دادگاه عالی [المحكمة العليا]، دادستان [النيابة العامة]، نگارستان [رواق الرسم]، دانشگاه [الجامعة]، دانشجو [الطالبوغيرها، يعتبر ترويجاً لكلمات "أجنبية". وفي المقابل يتم الترويج لمعادلات جديدة للكلمات الفارسية صيغت من اللغة البشتونية، وذلك باستعمالها في المراسلات الإدارية والمواقع الالكترونية الرسمية. من ذلك استعمال "تول تاكنى" عوض الكلمة الفارسية "انتخابات" [الانتخابات]، و"نوماند" عوض الكلمة الفارسية "نامزد" أو "كانديدا" [المرشّح]. واستعمال "ولسمشر" عوض التركيب الفارسي "رئيس جمهور" [رئيس الجمهورية]، واستعمال "انذور" عوض المفردة الفارسية "عكس" [الصورة]، و"رستى" عوض الكلمة الفارسية "رسانه" [وسيلة الإعلام]...
وهكذا فالأفغان الناطقون بالفارسية مضطرون للقبول بالكلمات العربية والإنجليزية والأردية والهندية والمغولية والفرنسية الموجودة في بلادهم كمكوّنات لهوية لغتهم القومية والوطنية.
ومع ذلك فإن المطلعين على الشأن اللغوي الأفغاني لا يعتقدون بوجود حساسية بين عموم أفراد الشعب الأفغاني بشأن استعمال المفردات البشتونية أو الفارسية في كلامهم، ولا يمكن لهذه الحساسية أن توجد، إلا إذا دخلت الحكومة على الخط، فالتجربة أبانت أنه كلما تدخلت الحكومة في هذا الأمر إلا ونقلت حساسيته إلى عموم الشعب.