خصَّصت مجلة "الدراسات الأدبیة" عددها الأخیر الصادر تحت رقم 67و68و69 سنة 2009لنشر مجموعة منتقاة من الدراسات والأبحاث المقدَّمة للمؤتمر الدولی حول الأدب المقارن العربی الفارسی والذی انعقد بالجامعة اللبنانیة فی بیروت شهر مای 2010 . وقد نُشرت مداخلتی المعنونة بـ "تأملات فی شعر الملمعات" ضمن هذا العدد، ولإطلاع القارئ على الخطوط العریضة للمقال أعرض هذا الملخص، على أن الدراسة منشورة بالکامل فی المجلة المذکورة.
تأملات فی شعر الملمعاتد/ أحمد موسى[1]
إن علاقة اللغتین العربیة والفارسیة متعددة الأبعاد ومتشعبة المناحی، تفرض على الدارس أن یبحثها ویُحقِّق فیها على ثلاثة مستویات : المستوى الأول، تأثیر اللغة العربیة وثقافتها فی اللغة الفارسیة، المستوى الثانی تأثیر اللغة الفارسیة وثقافتها فی اللغة العربیة، والمستوى الثالث هو الدراسة المقارنة بین الأدبین العربی والفارسی الذی هو ناشئ من المرحلتین معاً. وهو ما سیُسلط علیه الضوء فی هذا المؤتمر العلمی من خلال مختلف المداخلات المدرجة. أما ورقتی المعنونة بتأملات فی شعر الملمعات، فأحسبها تصب فی صلب الموضوع وأتوخى خلالها النبش فی أحد أبعاد هذه العلاقة، من خلال وضع أسلوب "الملمعات" فی منطقة الضوء، باعتبار أن هذا الأسلوب من الأسالیب الفنیة الأدبیة التی غدت قاسماً مشترکاً بین الأدبین العربی والفارسی...
عندما شاع إنشاد الأشعار باللغتین العربیة والفارسیة أخذ الشعراء ینظمون الشعر مزاوجین بینهما؛ فإما أن یکون شطر لکلٍّ منهما وإما أن یکون بیت وأُطلق على هذا الصنیع اسم (المُلَمَّعات)، وعلى هذا فـ "المُلَمَّع" فی الاصطلاح الأدبی الفارسی یُطلق على الشعر الذی یکون أحد مصراعی أبیاته باللغة الفارسیة والمصراع الثانی باللغة العربیة أو بلغة أخرى، أو یکون البیت الأول بالفارسیة والثانی بالعربیة أو بلغة أخرى[2]. وقد ارتضى هذا التعریف للمُلَمَّع أغلب الأدباء. وتشیر کتب الفنون الأدبیة والصنائع البدیعیة إلى أن اختصاص الملمَّع بالمزج بین اللغتین العربیة والفارسیة استمر إلى غایة القرن السابع الهجری حیث انطبق وصف الملمَّع على الشعر الذی یمزج فیه صاحبه بین اللغة الفارسیة واللغة الترکیة أیضاً، وبینها وبین اللغات الأخرى فیما بعد. لکن التعریف الأول ظل هو الأشهر إلى یوم الناس هذا[3].
إن هذه الصنعة عند القدماء –کما یشیر إلى ذلک رشید الدین الوطواط فی حدائق السحر-تعنی أن یکون مصراع بیت من الشعر باللغة العربیة والمصراع الآخر باللغة الفارسیة، وجاز عندهم أن یکون البیت الأول بالعربیة والثانی بالفارسیة، أو یکون البیتان الأولان باللغة العربیة والبیتان التالیان بالفارسیة، أو عشرة أبیات بالعربیة وعشرة أبیات التالیة بالفارسیة...[4]. وفی کشاف اصطلاحات الفنون نجد نفس التعریف للملمّع، وقد استشهد للنوع الأول (الذی یکون شطره الأول باللغة الفارسیة والشطر الثانی باللغة العربیة ) بهذا البیت:
صبا ﺑﮕﻠﺸﻦ احباب اﮔﺮ همى ﮔﺬرى
إِذَا لَقِـیتَ حَبِیبِـی فَقُلْ لَــهُ خَبَــرِی
ومثَّل للنوع الثانی (الذی یکون فیه البیت الأول باللغة الفارسیة والبیت الثانی باللغة العربیة) بهذین البیتین :
بــه نــادانــى ﮔـنـه کـردم الهــى
ولى دانـم کــه غـفـار ﮔـنـاهــى
رَجَـعْـتُ إِلَیْـکَ فَـاغْفِرْ لِـی ذُنُوبِی
فَإِنِّی تُبْـتُ مِـنْ کُــلِّ المَنَــاهِـــی
إنَّ هذا الشکل من الشعر المُلَمَّع هو مختص باللغة الفارسیة، ولا نذکر مثیلا له فی اللغة العربیة. أما مصطلح "المُلَمَّع" فی الأدب العربی فیراد به الشعر الذی تکون أحرف صدره (المصراع الأول) کلها منقطّة، وأحرف عجزه (المصراع الثانی) کلها خالیة من النقط، مثال ذلک هذا البیت الشعری الذی أورده صاحب "المعجم الأدبی" :
فَــتَـنَـتْـنِـی بِـجَـبِـیــنٍ کَـهِـلاَلِ السَّـعْـدِ لاَح[5]
[1] أستاذ اللغة الفارسیة وآدابها بجامعة شعیب الدکالی – الجدیدة (المغرب)
[2] محمد معین، فرهنک فارسى، حاشیة کلمة "ملمع".
[3] للإطلاع أکثر على تعریفات الملمع یمکن الرجوع إلى : ترجمان البلاغة للرودیانی، ورشید الدین الوطواط فی حدائق السحر ودقائق الشعر، والمعجم لشمس قیس رازی، ودقائق الشعر لتاج الحلاوی، وحقائق الحدائق لشرف الدین رامی،
[4] رشید الدین الوطواط، حدائق السحر، طهران، 1984، ص 63
[5] جبور عبد النور، المعجم الأدبی، بیروت، دار العلم للملایین، 1984، ص 256.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق