«La genèse de la nouvelle persane et son parcours de 1906
jusqu’aux années quatre-vingt dix»
أطروحة دكتوراه نالت بها الباحثة نرجس الخريم (المغرب) درجة
الدكتوراه من قسم الدراسات الشرقية بجامعة ستراسبورك بفرنسا سنة 2012.
خلاصة الأطروحة :
يمثل الأدب الفارسي بحق واحدة من أهم الحلقات في سلسلة آثار الأدب
العالمي، وهو جوهر متألق في سماء
وثقافة الشرق والعالم الإسلامي. وهو حصيلة لعملية التبادل الثقافي العظيمة والتفاعلات الحضارية والتأثير المتقابل الذي تم على مدى قرون
كثيرة. كما أنه أحد أكبر
المواريث البشرية الثقافية؛ ذلك أن الكثير من علماء العالم ومثقفيه يعرفون الإيرانيين عن طريق نتاج أدبائهم وشخصياتهم الفذة. لقد بلغ
الأدب الإيراني مرتبة العالمية فانتقل بطريق الترجمة غالباً، وبلغته الأم أحياناً
من المجتمع الذي أبدع فيه إلى مجتمعات أخرى، وانتشر فيها متجاوزاً الحدود
الجغرافية والسياسية واللغوية؛ لأنه تُرجم إلى معظم لغات العالم، وقرأته شعوب
كثيرة بلغاتها المحلية فضلاً عن الأفراد المتميزين في تلك الشعوب الذين قرؤوه
بلغته الأم، فالعالمية هنا هي عالمية الشيوع والانتشار، وتكون بعد مرحلة الشيوع
المحلي عادة، وتتدخل فيها عوامل كثيرة، منها الظروف الحضارية للأمة، والجهود التي
تبذلها في نقل آدابها إلى الآخرين، وقد استطاعت إيران أن تنشر آدابها في المجتمعات
والأمم المختلفة، وذلك بفضل الجهود والترجمات المكثفة التي تقوم بها، أو ترعاها،
مؤسساتها الثقافية المختلفة. وثمة نوع آخر من العالمية اختص بها الأدب الفارسي فهو
لم يقتصر على عالمية الانتشار، بل تجاوزها إلى عالمية الإبداع أيضاً، فنجد التجربة
الإنسانية بملامحها الرئيسية تتكرر في الأدب الإيراني، ونجد النصوص الأدبية تجتمع
على موضوعات ومضامين، وعلى ألوان من الاستقاء والتأثر، وعلى صياغات متقاربة، فتصبح
الأعمال الأدبية فيه فصولاً متنوعة في كتاب كبير واحد، يحس به ويتذوقه المتذوقون
في كل مكان يصل إليه، فيحسون أنه يخاطب وجداناتهم ويؤثر فيها، وكأنه صدر عنها أو
أنشئ لها. وهذا اللون من العالمية في يقيني أقوى وأعمق من عالمية الانتشار وحدها،
وهو اللون الذي يتميز به الأدب الفارسي.
فعالمية الأدب الفارسي تبدأ من
مرحلة الإبداع وتزدهر فيها، وتخضع في مرحلة الشيوع لعوامل سياسية وثقافية تجعلها بين
مد وجزر.
وإذا ألقينا نظرة علمية على مسار تطور الأدب في إيران، سوف ندرك أن الأدب
المعاصر في إيران هو نتاج
سير منطقي وطبيعي للأدب على مر العصور تغيراً وتحولاً في كل عصر وأوان، من خلال تأثره بالوقائع الاجتماعية والسياسية والدينية
والثقافية في ذلك الزمان. وقد
ظهرت هذه التغيرات في مختلف الأجناس الأدبية، وتبلورت أكثر في جنس الرواية والقصة
القصيرة. هذه الأخيرة عرفت تحولات
وتغييرات ساقتها نحو العالمية.
لقد تبلور
الأدب المعاصر الفارسي نتيجة النهضة التي تمخَّضت عن الثورة الدستورية، وكذلك
نتيجةً لعدم قدرة الأدب الكلاسيكي الفارسي على تلبية التطلعات الجديدة للإيرانيين.
وبغية توصيف الأوضاع السارية في المجتمع كان لابد لهذا الأدب من التوجه نحو
الأشكال الأدبية الجديدة التي برزت خارج حدود إيران. ومن هذه الأشكال الجديدة
القصة القصيرة بمفهومها الجديد.
يُطلق الأدب
القصصي بشكل عام على الآثار النثرية التي يَغلُب طابع الخيال فيها على الواقع. ويشمل
هذا الأدب القصة، والقصة القصيرة، والقصة الطويلة، والرواية، والرواية القصيرة.
والمضامين التي يتناولها الأدب القصصي هي في الغالب نابعة عن الخيال وإعمال الإبداع
الذهني، لكن إذا اقتُبِست هذه المضامين من الوقائع التاريخية، فيُطلق عليها في
الغالب اسم "القصة التاريخية"، أو "السيرة القصصية"، أو ما
شابه. لقد أورد جمال مير صادقي تعريفاً للأدب القصصي قال فيه : "يُطلق الأدب
القصصي في معناه الكلي على كل عمل تطغى فيه خصوصيته الإبداعية على الجانب الواقعي
والتاريخي، ويشمل الأدب القصصي القصة والرواية والقصة القصيرة والآثار المتعلقة
بها"[1].
نستنتج من
التعاريف أعلاه أن :
ü الآثار
النثرية وحدها تدخل في إطار الأدب القصصي.
ü الخيال أهم
خصوصية في الأدب القصصي.
ü الأدب
القصصي يشمل القصة والقصة القصيرة والرواية...
بناء على
ذلك، يمكن القول بأن التنوع الحاصل في مضمون القصة القصيرة هو أكثر من أي نوع أدبي
آخر، ولعل القصة القصيرة تكون أنسب بديل يستعاض به لعدم رغبة القراء في مطالعة
القصص المطولة أو الروايات، لذلك فإن عدد القصص القصيرة يكون دائماً أكثر من القصص
المطولة والروايات.
ظهرت القصة
القصيرة بمعناها المعاصر خلال القرن التاسع عشر. ويعتبر Edgar Alan Poe أول من تناولها بشكل جدي، وهو
علاوة على كتابته للقصص القصيرة، تطرق سنة 1842 لمفاهيم
نظرية حدّد فيها المبادئ الأساسية للقصة القصيرة معتبراً إياها نوعاً أدبياً[2].
أما في
إيران فقد تعرَّف الإيرانيون على هذا الجنس الأدبي عن طريق الفرنسيين. وفي سنة 1921 نشرت أول
مجموعة قصصية تحت عنوان "يكى بود يكى نبود" (Il était une
fois) لمحمد علي جمالزاده، وأدَّت إلى
حدوث تحول كبير في الكتابة القصصية في إيران ساقتها نحو مثيلتها في العالم. جاء
بعد جمالزاده العديد من الكُتَّاب الذين جرّبوا أساليب جديدة في الكتابة القصصية
نذكر منهم صادق هدايت، وبزرك علوى، وصادق جوبك، وجلال آل أحمد وجمال مير صادقي
وآخرون...
وأرى من
المناسب هنا عرض وجهة نظر القاص جمال مير صادقي في ظهور القصة القصيرة في إيران،
حيث يقول : "يمكن القول أن الكتابة القصصية في إيران شقَّت طريقها الصحيح
والأصيل مع القصص القصيرة لصادق هدايت، إذ حققت معه تحولا وتطوراً لافتاً. لكن
جمالزاده يُعتبر الأسبق زمنياً من هدايت، والمجموعة القصصية (يكى بود يكى نبود)(Il était une fois) نُشرت قبل
القصص القصيرة لصادق هدايت. إلا أنَّ جمالزاده وبسبب أنَّ أعماله طغت عليها
الحوادث واللطائف، لم يكن له مقلدون وأتباع مشهورون، ولم تستطع أعماله خلق تحول
يُذكر في الأدب القصصي الإيراني. على خلاف القصص القصيرة لصادق هدايت التي حققت
هذا التحول"[3].
مع هذا
فإنه -حسب رأي الباحثة- لا ينبغي إنكار
فضل السبق لجمالزاده. وقد تأثر به صادق هدايت من دون شك، وإن كان الأخير تفوق عليه
من الناحية الفنية ومن حيث التنوع.
الملاحظ من
خلال إنجاز هذه الأطروحة، أن الكُتّاب المعاصرين منذ الوهلة الأولى، أي منذ عصر
الثورة الدستورية، جعلوا من انتقاد المجتمع الذي يغرق في التخلف موضوعاً أساسياً
في أعمالهم القصصية. "لقد اصطبغ النثر الحديث الفارسي منذ الوهلة الأولى
بصبغة نقدية وتحدث عن مزية الديمقراطية"[4]. كما أن المضامين الرئيسية
للقصص القصيرة في الفترة محط الدراسة تتشكل غالباً من القضايا الاجتماعية، من قبيل
الحرمان ومعاناة الطبقات المعدومة، والمواجهات السياسية، والاعتراضات على الطبقة
الحاكمة، والقضايا الفكرية والثقافية التي تشغل بال المثقفين. بالإضافة إلى
المواضيع الغرامية والجنسية التي شغلت حيزاً من القصص المعاصرة.
وهكذا فقد توقفت
الباحثة في هذه الأطروحة على علاقة مضامين القصص القصيرة بالمجتمع الإيراني في
مختلف مناحيه وعلى شتى الأصعدة. واستنتجت كيف أن الكُتّاب عبَّروا عن هموم طبقة
المثقفين والمفكرين التي ينتمون إليها، إذ خصص بعضهم أعماله القصصية لمعالجة
المشاكل الفكرية والاجتماعية للمثقفين ورصد التحولات في أفكارهم وقناعاتهم،
بالإضافة إلى أنَّ العديد من الأعمال القصصية خُصصت لدراسة سير التحولات السياسية
والتغييرات في الآمال لمثقفي ما بعد انقلاب 1953.
لتقديم
خلاصة عن المسار الذي قطعه الأدب القصصي في إيران وأهم توجهاته وتياراته منذ نشأته
مع جمالزاده إلى حدود العقد التاسع من القرن العشرين، يمكن الإشارة إلى المقاطع
التاريخية التالية :
خلال الفترة
التاريخية الممتدة من سنة 1921 إلى سنة 1941، بدأ الأدب المعاصر الإيراني يشق
طريقه. فالكتابة القصصية الجديدة عرفت بدايتها مع محمد على جمالزاده وصادق هدايت
وبزرك علوي، كما أن الشعر الحديث شق طريقه مع نيما يوشيج وأتباعه. لكن الاختناق
الذي خيّم على الثقافة والأدب في عهد رضا خان "ساهم إلى جانب ضغط مقص
المراقبة في الحد من تطور الكتابة القصصية في إيران. فالآثار التي أُلفت في هذا
العهد تنطوي على لحن حزين وتدور في فضاء مخنوق ومظلم. يشتد فيه اليأس من
الحياة..."[5].
لقد خلَّف
فشل انقلاب 18 غشت 1953 انكساراً معنوياً لطبقة المفكرين والشعراء والكتاب
القصصيين. كما كان من تداعيات ذلك توقف تيار الأدب المقاوم والإصلاحي الذي شهده عقد
الأربعينيات، بحيث حلَّ الأدب القصصي التجاري محل القصص السياسية والاجتماعية.
"انتهت الفترة القصيرة للأدب (الملتزم) الذي ساد عقد الأربعينيات, وعمَّ
الأدبَ موجةٌ من عدم الالتزام المعلن، عاد الأدب في هذه الفترة إلى القصص
التمثيلية والأسطورية والرومانسية..."[6]
تعتبر
الفترة التاريخية الممتدة من 1964 إلى 1979، من أكثر الفترات عطاء على صعيد
الكتابة القصصية في إيران، وكان هدف الأدب في هذه المرحلة خلق الوعي وإيجاد الصحوة
ومناهضة الاستبداد وربط التواصل الواعي مع التاريخ وأحداثه. وتعد هذه الفترة كذلك
فترة حصاد ثمار الأدب الذي ظهر مع أفكار الثورة الدستورية، وفترة نضج تجارب
الكتابة القصصية، بحيث أثمرت جهود الكُتَّاب السابقين، وظهرت التيارات الأدبية
الحديثة التي جعلت من هذه المرحلة أغنى مرحلة في الفترة المعاصرة.
لقد وصلت
الكتابة القصصية في هذا المقطع التاريخي عهداً جديداً من النضج، وتطورت الصناعات
الحديثة في الكتابة بشكل ملحوظ. وشهدت هذه الفترة أيضاً تنوعاً وغنى من حيث
المحتوى والمضمون. أغلب كُتّاب هذا المقطع هم من رواد الجيل الأول الذين زاولوا
فعالياتهم الأدبية بحيوية ونشاط وبشكل مؤثر. خلال العقد (61-71) وعلى إثر انقلاب 18
غشت، خيّم على المجتمع الإيراني –كما سبقت الإشارة- فضاء قاتم، أدى إلى سيطرة
اليأس الفلسفي على الكُتَّاب، مما حذا بالعديد منهم، وبسبب المراقبة المفرطة، إلى
عدم نشر كتاباتهم. لكن رغم هذه المشاكل والعوائق، تعتبر هذه الفترة من بين أكثر
فترات الأدب القصصي تألقاً وبروزاً. إذ تألق كتاب العهد الأول والثاني بشكل ملفت
وخلّفوا آثاراً خالدة[7].
نشر خلال
هذه الفترة القاص والروائي صادق جوبك أعماله : تنكسير (1963) وسنك صبور (1966).
كما نشر إبراهيم كلستان أحسن أعماله القصصية خلال هذه الفترة وبرز على ساحة الأدب
القصصي الإيراني ككاتب متميّز.
ويعتبر كلُّ
من جمال مير صادقى (1936) وغلامحسين ساعدى (1935) من أبرز وجوه الجيل الثاني من
كُتَّاب القصة في إيران. وفي هذه الفترة كذلك نشر كلٌّ من سيمين دانشور (1921)
وعلى محمد افغانى (1925) وهوشنك كلشيري (1943) آثارهم القيمة.
لقد تأثر
الكثير من الشباب بجاذبية الكتابة القصصية في إيران، واتخذ كل واحد منهم لنفسه
مداراً يتحرك فيه. وهكذا فقد بدأ العديد من الكُتَّاب الشباب فعالياتهم الأدبية في
مجال القصة القصيرة خلال هذه الفترة، حيث وصل عددهم في المدة المتراوحة بين 1961
و1979 حسب تقدير الباحث حسن مير عابديني إلى أكثر من خمسين كاتباً شاباً ألف
كتاباته ونشر أعماله[8].
من بين هذا الكمّ الهائل سطع نجم عدد من الكتاب من ذوي المواهب. من جملة ذلك تجدر
الإشارة إلى حصة النساء في الإبداع القصصي. فبالرغم من أن سيمين دانشور نشرت أولى
أعمالها القصصية في السنوات السابقة، إلا أنها لم تصل إلى الشهرة إلا خلال هذه
الفترة. أما شهرنوش بارسى بور فقد بدأت الكتابة القصصية في هذا الوقت، حيث ألفت :
"تجربه هاى آزاد" (التجارب الحرة)(1970)، "زنان بدون مردان"
(نساء بلا رجال)(1973)، "سك و زمستان بلند" (الكلب والشتاء
الطويل)(1976)، "آويزه هاى بلور" (السناجق البلورية)(1977)، "ما
جراهاى ساده و كوجك روح درخت" (مغامرات روح الشجرة البسيطة والصغيرة)(1977).
كما يجب الإشارة إلى كاتبات أخريات أغنين الساحة الأدبية القصصية بإبداعاتهن
القيمة، نذكر من هؤلاء : كلى ترقى (1939)، ومهين بهرامى (1945)، ومنيرو روانى بور
(1954)، ومهشيد امير شاهى (1940)، وغزاله عليزاده (1948)...
بعد الثورة
الإسلامية (1979)، اصطبغ الأدب القصصي الإيراني بصبغة أخرى. وشهدت هذه الفترة بروز
وجوه جديدة على ساحة الأدب القصصي. ومن ناحية أخرى سلك تيار الأدب القصصي منحى
جديداً اتسم بالارتباط بالقيم الدينية والحماسية ومعاني الشهادة التي نادت بها
الثورة الإسلامية. ولعل ما يميِّز هذه المرحلة عن سابقاتها هو التطور الذي عرفه
مضمون ومحتوى الأعمال القصصية. ومن بين المضامين التي طُرحت أكثر من غيرها من طرف
جيل كتاب القصة القصيرة في هذا العهد، نذكر : عدم الاكتراث بالماديات والدعوة إلى
الحياة المعنوية والروحانيات، مناهضة الاستبداد والاستعمار وانعدام العدالة
الاجتماعية، مقاومة الإلحاد، والترحيب بالشهادة والجهاد والشجاعة والمقاومة
والإيثار طوال سنوات الحرب الثمانية.
وقد غلب على
القصص الأولى للعقد الأول من الثورة طغيان الجانب السياسي، وجاء التركيز على
الجانب الاجتماعي في المراحل اللاحقة. ومن الخصوصيات الأخرى للكتابة القصصية بعد
الثورة نذكر التنوع وكثرة المواضيع. ومن جملة المواضيع الأخرى التي ركزت عليها
الأعمال القصصية بعد الثورة نذكر : مناهضة الظلم، ومحاربة الفوارق الاجتماعية،
والشهادة والإيثار والتضحية، والأسر، والحنين إلى القيم، وذكر معطوبي الحرب
ومشاكلهم، والهجرة ومشاكلها، والحرب والتدمير والاضطرابات المصاحبة لذلك. وفي هذا
الصدد تبرز أسماء العديد من الكُتَّاب الذين خصّصوا أغلب أعمالهم لقضايا الحرب وحوادث
الثورة، نذكر من بين هؤلاء : حسن احمدي، وسيد مهدي شجاعي، واكبر خليلي، ومحسن
سليمانى، وداريوش عابدي، ومحسن مخمالبف، وآخرون. فهؤلاء تحدثوا في قصصهم عن شخصيات
ترعرعت في جو إيديولوجي إسلامي، وأوردوا مضامين لها جذور في المعتقدات الدينية
والمذهبية.
يعتقد الباحث
الإيراني المعاصر صفدر تقى زاده أن هذه المرحلة يمكن اعتبارها مرحلة كسب التجارب
والمعارف الاجتماعية، وليست مرحلة النضج الكبير، هذا بالرغم من أن الآثار القصصية
المنشورة خلال هذه الفترة هي من حيث الكم والكيف تعبِّر عن مرحلة تفتح وازدهار
الأدب القصصي[9].
لكن إلى
جانب تيار الأدب القصصي الملتزم والثوري الذي تبلور خلال هذه الفترة، لا يمكن
إغفال تيار الأدب القصصي الآخر الذي مثَّل امتداداً للعهد القاجاري، بما طرحه من
مضامين ومواضيع ترتبط بهذا العهد. فبعد الثورة واندلاع الحرب الإيرانية العراقية،
وبسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية حُرم جزء من الأدب القصصي الإيراني من اهتمام
وعناية الدوائر الثقافية الرسمية، ما سمح –حسب اعتقاد الباحث على صفائي حائرى-
لبعض الكتَّاب المخالفين لتوجه الثورة بتحليل جديد وطرق مواضيع جديدة مرتبطة
بالعهد القاجاري[10].
لكن مع بداية فترة الثمانينيات (1981)، ومع حصول تغيير في الفضاء الاجتماعي والروحي للمجتمع
الإيراني، تغيرت تبعاً لذلك معايير حكم الكُتّاب وفهمهم لوظيفة الأدب، فحل محل
الالتزام السياسي والاجتماعي الذي طبع عقد السبعينيات (1971)، التزامهم وتعهدهم
مقابل اللغة والشكل الأدبي. برز جيل جديد حاول رفض الوقائع وفضَّل الخيال ولجأ إلى
عالم الأساطير وعالم الأطفال، وخلال هذه الفترة استمر تيار إحياء التقاليد الذي
كان قد برز في عقد السبعينيات في قالب الواقعية السحرية. وخلال هذه الفترة كذلك
استعاد الكُتَّاب الشباب كما الكُتَّاب القدماء قريحتهم وذوقهم الأدبي ليخلقوا
آثاراً جيدة[11].
في الدور
الأول من هذه الفترة جدَّد الكُتَّاب في مجال الكتابة القصصية وخلقوا آثار مهمة
باستخدامهم أساليب حديثة.
ألف محمود
دولت آبادى (1940) آثاره الواقعية "جاى خالى سلوج" (مكان سلوج
الفارغ)(1979)، و"روزكار سبرى شده" (العهد المنقضي)، كما أكمل روايته
"كليدر" (1984-1979) في عشرة مجلدات. أما شهرنوش بارسى بور (1945)
ومنيرو روانى بور (1954) بتوجههما نحو الواقعية السحرية فقد ألفا آثاراً من مثل
"طوبا و معناى شب" (طوبا ومعنى الليل)(1988)، و"اهل غرق"
(أصحاب الغَرَق)(1989). أما عباس معروفى (1957)، ورضا براهنى (1935) فقد نشرا
روايتين أسطوريتين : "سمفونى مردكان"(سمفونية الموتى)(1989)،
و"رازهاى سرزمين من"(أسرار بلادي). أما مندنى بور (1936) فقد جرّبت
نثراً وشكلاً جديداً في "سايه هاى غار" (ظلال الغار)(1989). ألف اسماعيل
فصيح "زمستان 62)، وسيمين دانشور "به كه سلام كنم"(على من
أسلِّم)(1981)، ومحسن مخمالبف "باغ بلور"(حديقة البلور)..شهدت هذه
الفترة تأليف قصص رائعة.
في الدور
الثاني من هذه الفترة الممتدة لعقدين من الزمان (1979-1991)، نشهد تأليف ونشر
العديد من الروايات والمجموعات القصصية، مما يوحي بتطور كمي في الأعمال الروائية
خلال هذه الفترة. فكُتَّاب القصة الذين بدؤوا الكتابة القصصية قبل الثورة وصلوا
إلى النضج الفكري التام، فيما شرع كُتّابٌ آخرون في الكتابة القصصية خلال هذه
الفترة بالذات. نلاحظ خلال هذه الفترة ازدياداً في عدد الروايات وإقبالاً كبيراً
من طرف القراء الجدد عليها، الشيء الذي جعل الباحث حسن مير عابديني يجزم بأن
الرواية هي أكثر الأجناس الأدبية رواجاً وطرحاً خلال العهود الأخيرة[12]. وتعتبر السنوات الأخيرة في عقد التسعينيات
نقطة تحول في مسير حركة الأدب القصصي الإيراني المعاصر، فلا يمكن إنكار التأثير الصريح
لهذه الفترة على التيارات الأدبية والتوجهات الجديدة للكُتَّاب والمخاطبين على حدٍ
سواء، وعلى ظهور أصوات جديدة ومستقلة. فخلال هذه الفترة ظهرت حريات نسبية، وأدَّت
كثرة المنشورات وتوسع دائرة فعاليات المطبوعات الأدبية، بالأدب إلى استرجاع مكانته السابقة. كما شهدت ظهور مجموعة
من الكُتّاب الشباب بشكل مفاجئ وقد تمكَّنوا من البروز بفضل تعاملهم مع الصفحات
الثقافية والفنية في المنشورات، وهذه الفرصة لم تكن لتتهيَّأ لهم قبل ذلك الحين
إلا في جلسات خصوصية لقراءة القصة والتي كانت تنعقد في العموم حول اسم كبير، لكن
هؤلاء الكتاب ظلوا يتحركون تحت ظل أفكار الرواد الكبار الذين سبقوهم. من بين
الأسماء البارزة نذكر مهسا محبعلى وسيامك كلشيرى ويعقوب يادعلى ورضا اميرخانى
ويوسف عليخانى وحسن محمودى الذين يعتبرون مثالاً على التنوع الأدبي القصصي في هذه
الفترة و تعدد أقسام و تيارات الكُتّاب
من الأمور
الهامة التي يجب الإشارة إليها في نهاية العقد الثاني من الكتابة القصصية هو
الارتفاع الملحوظ في عدد الكاتبات القصصيات، بشكل لا يمكن مقارنته مع ما قبل
الثورة. ومن بين اللواتي عاصرن الفترتين وألفن خلالهما نذكر سيمين دانشور وكلى
ترقى وغيرهما...كما نسجّل أن عدد الآثار القصصية النسوية خلال العشرين سنة الأخيرة
يشكّل أضعاف مضاعفة لعدد الآثار المنشورة قبل الثورة، كما نسجِّل تنوع الموضوعات
في آثارهن. وإذا كان الاهتمام بالمضامين الاجتماعية يشكل قاسماً مشتركاً في
المرحلتين، فإن الكاتبات في مرحلة ما بعد الثورة كان لهن النصيب الأوفر في تناول
القضايا المتعلقة بحرية المرأة في آثارهن. كذلك يُلاحظ قلة المواضيع الغرامية
المطروحة لدى كاتبات ما بعد الثورة. ومن المواضيع الجديدة التي تناولتها الكاتبات
القصصيات في هذه المرحلة نشير إلى قضايا الحرب الإيرانية العراقية، والإيثار،
والعودة إلى الهوية الإنسانية والمذهبية، والابتعاد عن المفاسد الأخلاقية. ومن
خصوصيات الآثار القصصية النسوية هو اختيار العنصر النسوي كشخصيات أساسية في القصص،
إلا أن هذه الشخصيات لعبت أدواراً اجتماعية أكثر منها سياسية.
[1] جمال مير صادقى، عناصر
داستان [عناصر القصة]، دار النشر سخن، طهران، 1380، ص 24
[2] سيروس شميسا، انواع
ادبى[الأنواع الأدبية]، دار النشر فردوس، طهران، 1373، ص 180
[3] جمال مير صادقى، ادبيات
وداستان [الأدب والقصة]، دار النشر آيه مهر، طهران، 1383، ص 241.
[4] محمود عباديان، در آمدى بر ادبيات معاصر
ايران" [مدخل إلى الأدب المعاصر الإيراني]، دار النشر كهر نشر، طهران، 1371، ص 21.
[5] حسن مير
عابديني، صد سال داستان نويسى ايران، طهران، نشر "جشمه"، 1998،
ص 124-125.
[6]
نفسه، ص 276.
[7]
على صفائي
حائرى، ذهنيت و زاويه ديد (العقلية وزاوية الرؤية)، الطبعة الثانية، طهران، 2001، ص 11.
[8] حسن مير عابديني، صد سال
داستان نويسى ايران، ص 408.
[9] صفدر تقى زاده،
شكوفايى داستان كوتاه در دهه نخستين انقلاب، (ازدهار القصة القصيرة في العقد الأول
من الثورة)، الطبعة الأولى، طهران، 1993، ص 13.
[10] على صفائي حائري، ذهنيت و زاويه ديد (العقلية وزاوية الرؤية)، الطبعة الثانية، طهران، 2001، ص 11.
[11] حسن مير عابديني، صد سال
داستان نويسى ايران، ص 405-410.
[12] المرجع السابق، ص 777.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق