نريد
أن نتعرَّض لبعض الخصوصيات الأساسية الفكرية والثقافية للإيرانيين و التي أبعدتهم
عن الأدوار الكلاسيكية، لنرى ما هي مشخصات و مميزات الثقافة الإيرانية في الفترة
المعاصرة، و قد حدَّدنا ذلك في الخصائص التالية :
1. نبذ القديم أو التقليد
:
بنظرة مجملة في الظروف الاجتماعية الثقافية ندرك أن نبذ القديم هو خصوصية
أساسية ميَّزت الثقافة الإيرانية المعاصرة. و تتجلى تمظهرات هذه الخصوصية في كل
مستويات الثقافة و طبقات المجتمع. فعلى سبيل المثال فقد انكسرت الحكومات
التقليدية. ففي السابق لم يكن للشعب أي دور في اختيار الحاكم، أما اليوم فلم يعد
الأمر كذلك. كما طرأ التغيير على شكل القوى السياسية، فلم يعد أصحاب القوى
السياسية من المسؤولين أو القائمين على المصالح يُنعتون ب"سايه خدا"
(ظل الله). كما تجلت هذه الخصوصية في العلاقات الاجتماعية أيضاً. فإذا كانت المرأة
في القديم موجود متوارٍ عن الأنظار، فاليوم لم تعد هذه العادة مقبولة. يمكن أن
نلاحظ هذا أيضاً في السلوكيات الجماعية و العادات و التقاليد الجديدة، بدءً من
لباس كل من المرأة و الرجل و وصولاً إلى السلوك المتحضِّر و المنفتح.
إذن فقد ظهرت في الأدب المعاصر الإيراني و نخص بالذكر
جنس القصة، موضوعات و مضامين لم تكن مطروقة في الألفية السابقة بأكملها. موضوعات كحقوق
الشعب على الحكومة و الحرية بالمعنى السياسي للكلمة و التعليم و التربية الحديثة و
القومية و التعصب للوطن، و موضوعات أخرى من هذا القبيل. لذلك يمكن القول أن نبذ
التقليد الذي بات خصوصية ذاتية في الثقافة المعاصرة تجلى أيضاً في الأدب القصصي.
2. السرعة :
الخصوصية الأخرى
للثقافة الإيرانية المعاصرة هي السرعة، فالسرعة هي النتيجة الأولية لمكننة الحياة.
ففي القديم كان تغيير خصوصية ثقافية يستغرق عشرات السنوات إن لم نقل المئات، أما
اليوم فأصبح التغيير و التحول يقع بوتيرة سريعة جداً.
و يكفي إلقاء
نظرة على التحولات الثقافية خلال الخمسين سنة الأخيرة في إيران لندرك مظاهر هذه
السرعة في ميدان الثقافة و الاجتماع. لكن قصدنا هو بيان هذا المسار في مجال الأدب،
فمن علامات هذا التغيير في الأدب و الشعر هو اهتمام القراء و الكُتَّاب و الشعراء
و توجههم نحو قوالب أدبية قصيرة لا يستغرق قراؤها وقتاً كثيراً. فاليوم لا طاقة
لأي شاعر على نظم ستة دفاتر مطولة أو 60 ألف
بيت على شاكلة الشاهنامة، و حتى إذا وُجد من يفعل ذلك فلن يجد من يقرأ عمله. لهذا
السبب أصبحت اليوم الأشعار و القصص القصيرة أهم القوالب الأدبية الرائجة. ذلك لأن
نفسية أهل الثقافة و ذهنيتهم تأثرت بعامل السرعة الذي ذكرناه.
3.
تغيير الرؤى و العقائد :
لقد غيَّر التعامل مع الغرب في الفترة المعاصرة أسس رؤى
و معتقدات الإيرانيين. ففي الفترة الكلاسيكية – كما يبدو من الآثار الأدبية – كان
التوجه و الاهتمام بالدنيا مخالفاً للقيم خاصة في الفلسفة الصوفية، فأشياء من قبيل
المال و الجاه و المقام كانت تعتبر من العوائق المانعة لكمال الإنسان.
فقد كان الإنسان يبني لليوم الآخر و للدنيا الأخرى و
تتضح هذه العقيدة بجلاء في الحياة الدنيوية (نيم نانى مى رسد تا نيم جانى در تن
است) أي : نصف كسرة خبز تكفي لتبقى الروح في الجسد.
لكن في الفترة
المعاصرة تغير تعريف و منزلة الإنسان في الوجود جذرياً. فإذا كان الإنسان في
القديم يُعرَّف على أنه حيوان ناطق أو حيوان عاشق، فاليوم أصبح الإنسان حيواناً
سياسياً. فالسياسة و القوة السياسية تحتل من الإنسان اليوم مركز الريادة و كل المعادلات.
اليوم "الإنسان في الدنيا" محط الاهتمام و ليس "الإنسان في
الآخرة" أو "الإنسان في سماء الفناء الصوفي".
حتى مفاهيم من
قبيل "العشق" أصبح لها تعريفها الخاص في العهد الجديد يتفاوت كلياً مع
تعريفها في العهود القديمة. المعشوق اليوم هو ذاك المعشوق الأرضي أو في مفهومه
المتعالي و السامي هو تلك المفاهيم السامية مثل العدالة و الإنسانية و ليس هو ذاك
المعشوق العلوي الذي لا يصله أحد.
نزل العشق من السماوات و الأفلاك إلى الأرض و اتخذ لنفسه
لوناً أرضياً..و كل هذا يتجلى بوضوح في الأدب المعاصر..
4. تغيُّر الذوق الجمعي :
النتيجة الأولى لتغيير
الرؤى و العقائد هي تغير الذوق الجمعي للإنسان المعاصر أو الحديث، فنظرة سريعة إلى
نوع اللباس و طريقة التزيّن للرجال و النساء على حد سواء، و كذلك أسلوب العمران و
المدن و مقارنة ذلك بالسابق يظهر بجلاء التغير العميق الذي طرأ على الذوق الجمعي
للإيرانيين في العهد الحديث (الفترة المعاصرة). و ليتضح أكثر هذا التغيير نقوم
بمقارنة خصوصيات المعشوق في الأدب الكلاسيكي بالمعشوق في الأدب الحديث بجنسيه
الشعر و السرد. ففي الأدب الكلاسيكي كان شعر المعشوق أسوداً دائماً و طوله يصل حتى
الصين، و ثغر المحبوب كان بصغر نقطة و قوامه يشبه شجر السرو و خدوده منتفخة و
وردية اللون، و حركاته تشبه حركات الغزال، و كان هذا المعشوق بعيد المنال و غارقاً
في هالة من القدسية و الإبهام بعيداً عن الجنس...لكن المعشوق في الأدب المعاصر له
خصوصيات متفاوتة تماماً. فالمعشوق الكلاسيكي لا وجود له في شعر اليوم و لا في
المجتمع اليوم. فإذا كان الذوق الجماعي للقدماء في الأدب يستحسن آهات و معاناة
العاشق المؤلمة و تعالي المعشوق، فإن جيل اليوم يعتبر هذا السلوك من قبيل الاختلال
الروحي و النفسي و يطلق عليه اسم "مازوخيسم" أو "ساديسم".
ففضاء الأدب الكلاسيكي النير تحول إلى عالم مظلم في الشعر و الأدب المعاصر. و يكفي
لمعرفة ذلك مقارنة نسبة الألوان الفاتحة و القاتمة في الأدبين القديم و الحديث.
لذلك فإن الذوق الجمعي للأدباء المعاصرين – و الذي يُعبِّر عن ذوق و سليقة المجتمع
بأكمله – ينطوي على أشياء جميلة لم تكن كذلك في الشعر الكلاسيكي و العكس صحيح، و
تبرز أهمية هذا الموضوع في دراسة صور الأخيلة في الشعر المعاصر.
5.
كثرة الالتزامات و قلة الوقت و وفرة التسلية :
و هذه كذلك خاصية من
الخصوصيات الثقافية المعاصرة التي ظهرت مع تغير حياة الإنسان من حياة زراعية إلى
صناعية آلية. فإذا كان القدماء يقضون ليالي الشتاء الطويلة في قراءة الشاهنامة و
سائر الأنواع الأدبية لسبب قلة المشاغل و وفرة الوقت و انعدام التسلية. لكن حياة
المدينة و الصناعة و الآلة كسرت كل هذه المعادلات و أحدثت نظاماً جديداً غيرت
الإنسان تغييراً كبيراً حتى أصبح مثل الآلة. و قد أثَّر كل هذا على الآثار الأدبية
كلها دون استثناء.
شهد هذا العقد (آخر العهد الناصري) غروباً تدريجياً لشمس
الشعر الكلاسيكي الفارسي الساطعة، و بعد هذه الفترة سيظهر هذا الموجود بشمائل أخرى
و وفق معايير جمالية مختلفة عن القديم.
شهد هذا العقد
أيضاً التدابير الإصلاحية لعباس ميرزا و قائم مقام و أمير كير و سيد جمال الدين و
باقي المثقفين، لكن سبب انعدام الظروف المناسبة لهذا البناء الجديد، فإن التيار
الإصلاحي سار ببطء شديد. أما هذه الظروف المناسبة لإعادة البناء الجديدة – حسب
ماكس وبر – هي كالتالي :
1/ نظام مالي مركزي مستقر.
2/ قوة عسكرية قوية و مجربة تحت قيادة حكومة مركزية.
3/ وضع و تنفيذ المقررات الحقوقية و ضمانة تنفيذها.
4/ تنظيم الجهاز الإداري بشكل منظم و معقول.
و بنظرة خاطفة إلى الظروف الاجتماعية للعهد الناصري يتضح بجلاء أن هذه
الظروف لم تكن مهيأة في هذه الفترة. لكن بعد وفاة ناصر الدين و مجيء مظفر
الدين شاه اتخذ مسار إعادة البناء سرعة أكبر.
و بمقارنة المنجزات في عهدي هذين الملكين يتضح بشكل جلي
تفاوت سير هذا البناء.
البنية
الاجتماعية للمجتمع الإيراني الكلاسيكي تُقسِّم الناس إلى طبقتين : الحاكم و
المحكوم. و قد أوجد هذا النظام المزدوج تيارين أدبيين : أدب يختص بالطبقة الحاكمة
و أدب آخر يتعلق بطبقة المحكومين. فالأدب الشعبي كان مختصاً بالطبقات الوسطى و
السفلى للمجتمع، أولئك الذين كانوا يعانون من جور الحكام و يشكون من قسوة الحوادث.
لكن كمية و
كيفية هذين التيارين لم تكن واحدة دائماً بل تفاوتت حسب اختلاف الظروف الزمانية و
المكانية، و حسب تأثير طوفان الحوادث و هدوء الإعصار..لكنهما كانا دائماً موجودين
في التاريخ الأدبي لإيران.
لعل القاسم
المشترك لأدب العهد الناصري مع الأدب الكلاسيكي الفارسي، هو وجود هذا البناء
الاجتماعي المتشابه، و نتيجة ذلك وجود هذين التيارين. يعني أن هذا الإرث الثقافي و
الأدب الكلاسيكي الفارسي وصل إلى العهد الناصري. لكن في العقد الأخير من هذا العهد
سيبتعد هذا الإرث تدريجياً عن الساحة الاجتماعية و الأدبية لإيران حتى إذا وصلنا
إلى عصر الثورة الدستورية لم يبق لتلك الطبقتين الاجتماعيتين مجالاً واسعاً و لا
لذلك التيارين الأدبيين.
العهد الجديد :
يشير هذا العنوان إلى أن شعر المشروطة و الشعر المعاصر
عموماً هو استمرار للحركة المنطقية للشعر الكلاسيكي الفارسي في العهد الجديد. فرغم
التعامل الذي جمع بين الأدب المعاصر الفارسي و بين الثقافة و الأدب الغربيين و
تأثر الأول بالثاني، إلا أنه احتفظ بطابعه و صبغته الإيرانية. لعل أفضل تعبير نصوِّر
به علاقة الأدب المعاصر بالأدب و الثقافة الكلاسيكية هو تعبير "الأب –
البنوة" فذاك الأب بدون هذا الابن يبقى عقيماً، و هذا الابن بدون ذاك الأب
يضحى عديم الأصل. لذلك يمكن اعتبار شعر المشروطة استمراراً للمسار الذي قطعه الشعر
الفارسي طيلة قرون و عصور طويلة. فتارة بثَّ – في شكله الحماسي - في جسد الثقافة
الجريح روح الأمل و الاستقلال و الهوية و الحرية، و تارة قرّر حكاية غربة الإنسان
في العالم السفلي، و أحياناً أخرى كان بلسماً شافياً لروح الناس بتوجهه الجدي نحو
العشق الإنساني الطاهر...و اليوم في عصرنا يجب عليه ربط الاتصال بالإنسان معلناً
عن ولادة جديدة...
٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭
من وجهة نظر
أحد مؤرخي الآداب، فإن فترة المشروطة التي ابتدأت من حوالي سنة 1275 ش السنة
التي توفي فيها ناصر الدين شاه و اعتلى فيها العرش مظفر الدين شاه و استمرت إلى
حوالي سنة 1304 ش و هي سنة بداية حكم رضا خان. لقد عرفت التيارات
الشعرية في هذه الفترة خصوصيات تتلخص أولاً في كونها تقع في إطار واحد، و ثانياً
تختلف عن شعر الفترة السابقة و اللاحقة.
شعر مرحلة
المشروطة هو شعر "مرحلة انتقالية". يُطلق مصطلح "المرحلة
الانتقالية" في علم الاجتماع التاريخي على مرحلة تكون فيها كل أبعاد المجتمع
في حال تغير و تصل فيها الأزمات الفكرية و الأخلاقية و الروحية أوجها. خصوصيات
"المرحلة الانتقالية" على الشكل التالي :
1/ انقطاع صلات المجتمع بالماضي و المبادئ الكلاسيكية.
2/ انهيار القيم المذهبية و الاجتماعية و الأدبية و الثورة
عليها.
3/ الغربة مع الذات و حب الآخر و نبذ الشخصية و اضمحلال
الضمير الاجتماعي.
4/ الاعتراض على الانحطاط و التخلص من المعنويات.
5/ ارتفاع نسبة الجرائم و الفتن و الشرور و بروز التيارات
المنحرفة.
وُجدت هذه الخصوصيات إلى حد كبير في ثقافة و أدب فترة
المشروطة، و لذلك سميناها "مرحلة انتقالية". و عليه يمكن اعتبار شعر
فترة المشروطة شعر فترة الانتقال من السبك الكلاسيكي – بتنوعه – إلى السبك الجديد.
حتى و لو لم نقبل بشكل كلي مقولة فيكتور هيكو في أن :
"النتيجة المباشرة و الحتمية لأي ثورة سياسية هي ثورة أدبية" فإن الظروف
الاجتماعية و السياسية و الثقافية و العقائدية و حتى الاقتصادية بلا أدنى شك لها
تأثير كبير في مسار تبلور الآثار و التيارات الأدبية. كما أن الأدب أيضاً يؤثر على
الوسط.
الظروف العامة لإيران في عصر الثورة الدستورية :
تستدعي العلاقة الجدلية بين الأدب و الوسط أن نشير في
البداية إلى ظروف إيران في فترة المشروطة بشكل دقيق و أن نبين حالة المجتمع
الإيراني في هذه المرحلة.
بعد وفاة ناصر
الدين شاه سنة 1275 ش (1313
ق)، اعتلى العرش مظفر الدين شاه،
و كان رجلاً عديم الإرادة و قليل الاطلاع
بأصول تسيير البلاد : "ناصر الدين شاه، كشوري
را كه تا مغز استخوان فساد ﮔرفته و هر ﭘاره اش به عنوان امتياز در اختيار يكى از
اجانب بود، با يك مشت رجال بى اطلاع و خائن به جانشين خود مظفر الدين شاه، آن طفل
مسن و ﺑﭽه مدرسه دوازده ساله بهانه ﮔير كه از رعد و برق به عباى سيد بحرينى ﭘناه
مى برد، باز ﮔذاشت"[1]
أي : (ترك ناصر الدين شاه الدولة التي
ملأها الفساد حتى النخاع و التي كان كل جزء منها امتيازاً في يد أحد الأجانب،
بمساعدة حفنة من الرجال الجهّل و الخونة لولي عهده مظفر الدين شاه، ذاك الطفل
المسن، و فتى المدرسة الذي يبلغ عمره اثنا عشر سنة، و الذي كان حين يسمع صوت الرعد
و البرق يلتجئ إلى حضن السيد البحريني..).
كان الفساد الإداري و الأخلاقي و الاجتماعي و الاضطرابات
الاقتصادية و الفقر و ظلم الجهاز القاجاري ينخر جسد إيران الضعيف و النحيل كغدة
سرطانية. كانت الحركات الإصلاحية التي قادها المثقفون و الروحانيون و النقاد و
طبقات أخرى و التي رأت النور قبل عشر سنوات على الأقل، توقظ الإيرانيين تدريجياً
من نوم غفلتهم. بدأت الثورات الشعبية في طهران و تبريز و مدن أخرى، و كذلك
المطالبة بـ"تأسيس دار العدالة" و "حكومة المشروطة" تزلزل أسس
حكومة القاجار الاستبدادية. في النهاية نجحت جهود التحرريين المتواصلة في جعل عين
الدولة الصدر الأعظم الخطير و المستبد لمظفر الدين شاه يستقيل، ثم بعد
ذلك و في سنة 1285 ش وقَّع مظفر الدين على وثيقة المشروطة. في هذه
السنة كُتب القانون الأساسي أيضاً و أُجريت انتخابات شعبية. كانت هذه أول مرة
يتأسس فيها مجلس النواب في إيران و يساهم الشعب في تسيير المجتمع. أما الدولة التي
عاشت لقرون تحت مظلة الاستبداد و مازالت أسيرة حكام غير مناسبين و أعداء محتالين،
كانت لا تفقه آداب الحياة الديموقراطية، و رغم الجهود التي بذلت مدة عشرين سنة على
الأقل بواسطة المصلحين و المفكرين، فإنها لم تكن مستعدة لمثل هذا التغيير. لهذا لم
تكن الأمور تسير وفق المراد بعد توقيع وثيقة المشروطة، فخضعت هذه الحركة لعناصر
حكومية و عناصر أخرى متعددة حرّفت الثورة عن مسيرتها الأصلية و قادتها إلى مضايق
قاتلة، لدرجة أن باتت الفترة التي تلت التوقيع على وثيقة المشروطة واحدة من أكثر
الفترات المتأزمة في تاريخ إيران. كانت إيران طيلة سنوات من 1284 ش و
حتى سنة 1290 ش تعيش أزمة المشروطة. خلال هذه السنوات الست مات مظفر
الدين شاه و خلفه في الحكم محمد علي شاه. بادر الشاه الجديد – و خلافاً
لإدعائه – إلى رفض المشروطة و انقلب على مجلس النواب الوطني (مجلس شوراى ملّى). لكنه أُجبر على اعتزال الحكم سنة 1288 ش[2].
دخلت القوات الروسية إلى إيران سنة 1290 ش. تعطّل مجلس النواب
الثاني. كما أن الحرب العالمية الأولى التي جرت هذه السنوات خلقت مشكلات عديدة، و
زاد الطين بلة حروب جيوش الروس و العثمانيين. أضف إلى ذلك أن سنوات 1297-1298 ش عرفت إيران جفافاً و قحطاً فظيعين ألقيا بظلالهما السلبية على المجتمع
الإيراني. لحسن الحظ أن الثورة الروسية التي حدثت هذه السنوات أبعدت إيران لمدة عن
شرّ و أطماع الجيران الشماليين. لكن الآن هناك مستعمر آخر و هم الإنجليز، الذين
أجبروا سنة 1298 ش أن يخضعوا إيران لحمايتهم لكن الشعب غضب[3].
بعد ذلك توسلت بريطانيا بطريقة أخرى لحفظ منافعها لذلك دعَّمت انقلاب عسكري قام به
قائد عسكري يسمى رضا خان في سنة 1299 ش. تأزمت الأوضاع
الاجتماعية و الحكومية أكثر في إيران إلى أن صوَّت المجلس على انقراض أسرة
القاجاريين و إعلان رضا خان ملكاً مؤسساً لسلسلة اﻟﭙهلويين سنة 1304 ش.
كما لاحظنا فإن
إيران في عصر المشروطة كانت جد متأزمة من جميع النواحي. كانت البلاد في حالة تحول
أساسي، و نتائج هذا التحول أدى إلى زعزعة بنيات المجتمع المتعددة. على الرغم من
الجهود الطيبة التي بَذَلها التحرريون و المصلحون الاجتماعيون في سبيل إنجاح
المشروطة فإن هذه الثورة انحرفت عن مسيرها الأصلي.
كانت ثورة
المشروطة بحسناتها و سيئاتها ظاهرة أخرجت تاريخ إيران من مساره و أحدثت انفجاراً
في قلب تاريخ إيران المعاصر. كانت هذه الظاهرة بسيرها المتصاعد و المتنازل و المتسرع
بمثابة موج في جوف هذا البحر المترامي، انمحت و اضمحلت بسرعة و قبل أن تصل إلى
النتائج المرجوّة.
كانت إيران قبل
المشروطة أسيرة الاستبداد القاجاري، و بعدها باتت أسيرة استبداد رضا خان، و
هذا أوضح دليل على أن الثورة المشروطة لم تصل إلى كل أهدافها. و مع كل هذا لا يمكن
إنكار التغييرات الأساسية التي أوجدتها ثورة المشروطة في إيران في هذه الفترة.
عاش المجتمع الإيراني في عصر رضا خان تناقضاً كانت له
تأثيراته و انعكاساته على التيارات الأدبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق