الكلمات الدخيلة في اللغة
الفارسية الدرية (الأفغانية)
ما هي اللغة الأجنبية في
أفغانستان ؟
عن موسوعة"آريانا" بتصرف
د. أحمد موسی
حظر المجلس الوزاري الأفغاني في زمن الرئيس السابق، حميد
كرازاي، استعمال "اللغات واللهجات الأجنبية" كما منع استخدام الكلمات
"غير المألوفة" في اللغة الفارسية الدرية (اللغة الأفغانية).
ما يثير الانتباه في هذا القرار الأفغاني الذي يبدو أنه ينتصر
للغة والهوية المحليتين هو منظور الحكومة من "اللغات الأجنبية" و"الكلمات
غير المألوفة". أما هل بالإمكان التعامل مع الثقافة، بصفتها ظاهرة متينة
ومتطورة بشكل مطلق وقاطع، فهذا الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل.
رغم أن المجلس الوزاري المنعقد لم يشر بشكل مباشر إلى
لغة أو لهجة بعينها، إلا أن تحليل وقراءة كيفية تعامل الحكومة الأفغانية مع مختلف
اللغات قد يسعف في حل هذا اللغز، ويساعد في تحديد مقصود الحكومة من "اللغات
الأجنبية" و"الكلمات غير المألوفة".
اللغة العربية :
تاريخ الفتوحات العربية والصلات الدينية بين العرب وبين
المناطق الفارسية تاريخٌ عريق يحمل وراءه ميراثاً ثقيلاً من تجليات الثقافة
العربية التي تركت بصماتها الواضحة في كل الأقاليم والأمصار المفتوحة. وإحدى أهم
هذه الآثار المعجم العربي الذي تزخر به لغات هذه المناطق، ليس في أفغانستان وحدها،
بل حتى في إيران وطاجكستان، العضوين الآخرين من أعضاء الجسم الفارسي.
في أفغانستان، لا توجد أية حساسية من استعمال المفردات
العربية في اللغتين الرسميتين للبلاد الفارسية والبشتونية [لغة البشتون]، أو على
الأقل رسمياً. بحيث هناك استعمال واسع للكلمات والعبارات العربية في المراسلات
والمكاتبات الإدارية التي تؤكد هذا المعطى.
لقد وصل شغف المؤسسات الرسمية في أفغانستان باللغة
العربية حداً بعيداً، لدرجة استعمال العبارات العربية الثقيلة في المكاتبات
الإدارية عوض التعابير الفارسية البسيطة، مما يضطر المخاطب البسيط إلى ترجمتها إلى
الفارسية.
فعلى سبيل المثال تُستعمل العبارة العربية "تحرير
هذا المكتوب" عوض العبارة الفارسية "نوشتن اين نامه"، وتُستعمل عبارة "إلى يوم شنبه" مكان
العبارة الفارسية "تا روز
شنبه".
ومثل هذه العبارات توجد بكثرة في اللغة الفارسية الأفغانية الرسمية، سواء في اللغة
المكتوبة أو المتداولة. لذلك فاللغة العربية في أفغانستان ليست فقط غير أجنبية،
وإنما هي لغة الدين، ونفوذها واسع واستعمالها مدعاة للفخر والمباهاة بين الأفغان.
اللغة الإنجليزية :
رغم أن الأعراف الدبلوماسية تقتضي أن يتحدث مسؤولو
الدولة الكبار في المجامع الدولية والمؤتمرات الصحفية التي تجمعهم بنظرائهم
الأجانب، باللغة الوطنية والقومية، لكن رئيس أفغانستان السابق حميد كرزاي كان له
إصرار كبير على التحدث باللغة الإنجليزية. ولم يكن يستعمل إحدى اللغات الأفغانية
الرسمية في تواصله خلال السفريات الخارجية إلا حينما يحل ضيفاً على إيران أو طاجكستان،
وهما دولتان لغتهما الرسمية الفارسية.
وحتى في مؤتمراته الصحفية المشتركة مع الضيوف الأجانب
التي كانت تعقد في كابل، كان يتحدث بالإنجليزية أكثر مما يتحدث بالفارسية أو
البشتونية، بل أصدر أمراً في أواخر عهدته الرئاسية بأن تكون اللغات الدولية مثل
الإنجليزية هي لغة التدريس في التخصصات العلمية داخل الجامعات الأفغانية.
هناك الكثير من الوزارات والمؤسسات الدولية في أفغانستان
تحرر رسائلها الإخبارية لوسائل الإعلام باللغة الإنجليزية. أما المواقع
الإلكترونية لبعض المؤسسات الحكومية فأكثرها باللغة الإنجليزية رغم أن مخاطبيها هم
المواطنون الأفغان.
من ناحية أخرى، لم تعارض الجهات الرسمية، إلى الآن،
الاستعمال المفرط للكلمات الإنجليزية في وسائل الإعلام. فالكلمات الإنجليزية من
قبيل : پرابلم (مشكل)، پروگرام (برنامج)، پلان (تصميم)، پالیسی (السياسة)، ستلايت (القمر الاصطناعي)، مديا (وسائل الإعلام) وغيرها كثير، باتت تتردد
على لسان الخاص والعام، وتُسمع في الكثير من وسائل الإعلام المحلية دون أن تثير
معارضة أي أحد.
اللغة الهندية والأردية :
لا يوجد فهرساً مدوناً للكلمات التي دخلت من اللغة الهندية
إلى لغة الشعب الأفغاني، من فارسية وبشتونية. لكن هذه الكلمات انتشرت في أوساط
الأفغان لدرجة لا يمكن لأي أحد في أفغانستان أن يعتبرها أجنبية أو يشك في ذلك.
فيما يلي بعض الأمثلة عن المفردات الدخيلة من اللغة
الهندية إلى لغة الأفغان، والتي عادة ما تُعتبر معادلاتها الفارسية، أجنبية وغريبة
:
سرك : مأخوذة من الكلمة الهندية سركا (Saraka) بمعنى الشارع.
ميله : مأخوذة من الكلمة الهندية ميلا (Mela) بمعنى المنتزه ومكان الترفيه.
پُت : مأخوذة من الكلمة الهندية پوتا (puththa) بمعنى الخفي.
چپ : مأخوذة من الكلمة الهندية (Chup) بمعنى ساكت وصامت.
مُرچ : مأخوذة من الكلمة
الهندية مِرچ أو مِراچا (Miracha & Mirch) بمعنى الفلفل.
كيله : مأخوذة من الكلمة الهندية كيلا (Kila) بمعنى الموز.
چوك : مأخوذة من الكلمة الهندية (Chowk) بمعنى الساحة.
گادی : مأخوذة من الكلمة الهندية (Gaddi) بمعنى العربة.
والا / وان : مأخوذة من الكلمة الهندية (Wala / Wan) وهي لاحقة تدل على الحرفة، مثل
اللاحقة "چی" و"باشی" في الفارسية. مثال
ذلك : گادی
وان بمعنى
سائق العربة. وموتروان
بمعنى السائق.
أصل وجذر هذه
الكلمات يمكن تبيّنه بسهولة تامة، لأن الأفغان تعرّفوا على السينما من خلال
الأفلام الهندية، وظلوا يشاهدون الأفلام الهندية لعشرات السنين حتى من دون ترجمة.
وهناك
الكثير من الأفغان ممن يتحدث اللغة الهندية ويؤدون الأغاني الهندية من دون أن يكون
قد سافر إلى الهند أو درس هذه اللغة.
كان لحملة
الملوك الغزنويين وباقي ملوك خراسان على الهند، وحكم المغول المتفرسين على شبه
القارة الهندية لقرون، آثارٌ كبيرة على ثقافة الهند ولغتها. وإلى ما قبل الإستعمار
البريطاني للهند، كانت اللغة الفارسية في بعض المقاطع التاريخية لغة رسمية للهنود،
وكانت الفارسية في زمان الاستعمار اللغة الثانية في هذه البلاد.
لذلك
يمكننا أن نستنتج أن التبادلات اللغوية بين الأقاليم الفارسية (ومن ضمنها
الجغرافية الحالية لأفغانستان) وبين شبه القارة الهندية كانت في اتجاه واحد، نحو
الهند، وليس العكس. وعلى هذا الأساس توجد الكثير من المفردات والكلمات الفارسية في
اللغة الهندية، وفي المقابل ليس هناك وجود كبير للكلمات الهندية في الفارسية. أكثر
الكلمات الهندية الدخيلة في الفارسية دخلت من اللغة السنسكريتية وليس من الهندية
الحالية.
لكن في
أفغانستان اليوم، وعلى عكس إيران وطاجكستان هناك رواجٌ كبير للكلمات الهندية، مثل
النماذج التي أشرنا إليها سابقاً، والتي يبدو أنها دخلت إلى اللغة الفارسية الدّرية
خلال القرن الأخير.
اللغة الفرنسية :
خلافاً
لإيران، لم يكن للغة الفرنسية في أفغانستان نفوذٌ يذكر. فالمسميات الفرنسية الرائجة
في إيران كالشهور الميلادية وأسماء بعض البلدان، يُستعمل مقابلها الإنجليزي في
أفغانستان. ومع ذلك، لا نعدم استعمال بعض الكلمات الفرنسية في أفغانستان، من ذلك
الكلمات : كابينه [الحكومة]، پارلمان [البرلمان]، ارگان [عضو]، آژانس [الوكالة]، لیسانس [الإجازة]، وكلمات أخرى مشابهة موجودة في اللغة الفارسية الإيرانية.
ولكن هناك أيضاً كلمات فرنسية مستعملة في أفغانستان ولم تُستعمل في إيران، مثل : قوماندان (كوماندان) بمعنى الدرجة
العسكرية المعروفة، پتلون (پنتالون) بمعنى السروال، سكتور بمعنى القسم أو الجزء، كلتور بمعنى الثقافة.
وبنفس
الطريقة توجد في اللغتين الرسميتين في أفغانستان، الفارسية والبشتونية، الكثير من
الكلمات الروسية والتركية والمغولية.
اللغة الفارسية :
ما يثير
الانتباه والاستغراب، في واقع الأمر، هو الحساسية التي ما فتأت المؤسسات الرسمية
الأفغانية، كالحكومة والبرلمان، تبديها، خلال السنوات الأخيرة، تجاه الكلمات
الفارسية الأصيلة، وفي بعض الأحيان تجاه المعادلات الفارسية التي يصوغها مجمع
اللغة الفارسية في إيران.
وكمثال على
هذه الحساسية استعمال المفردات الفارسية "دانشگاه" [الجامعة] و"دانشکده" [الكلية] مقابل معادلاتها البشتونية "پوهنتون" و"پوهنزی" إضافة إلى استعمال
بعض المفردات الفارسية الأخرى مثل "دادگاه عالی" [المحكمة العليا] عوض "استره محکمه"، "دادستان" [النيابة العامة] عوض "ثارنوال"، وغيرها، والتي أثارت إلى الآن لمرات عديدة حنق
المسؤولين الحكوميين في أفغانستان.
ففي
أفغانستان، يُعتبر استعمال الكلمة الفارسية "خيابان" [الشارع] والتي تعود قدمتها إلى
مئات السنين، مدعاة للاستغراب وكأنها كلمة أجنبية. لذلك يُضطر الاستعاضة عنها
بالكلمة الهندية "سرك" أو الكلمة
البشتونية "وات"، أو الكلمة العربية
"جادة"، التي لا تفيد معنى
الشارع، على وجه الدقة، بل تطلق على الطريق خارج المدينة.
وضع المعادلات :
يساور
اليوم بعض الأفغان الناطقين باللسان الفارسي القلق والشك من أن الحكومة تستهدف
الكلمات الفارسية، ولا تعارض استخدام المعادلات البشتونية بقدر ما تساهم في تكريس
رواجها في الإدارات والمنشورات الحكومية.
فعلى سبيل المثال يُرفض استعمال المفردة الفارسية
القديمة "دبستان" [المدرسة] ويُقابل استخدامها
بحساسية. لكن معادلها البشتوني "شونزى" يلقى رواجاً كبيراً دون أدنى حرج ويُكتب على
لوحات الإدارات الابتدائية. كما أن استعمال مفردات فارسية أخرى مثل : دادگاه عالی [المحكمة العليا]، دادستان [النيابة العامة]، نگارستان [رواق الرسم]، دانشگاه [الجامعة]، دانشجو [الطالب]، وغيرها، يعتبر ترويجاً لكلمات "أجنبية". وفي
المقابل يتم الترويج لمعادلات جديدة للكلمات الفارسية صيغت من اللغة البشتونية،
وذلك باستعمالها في المراسلات الإدارية والمواقع الالكترونية الرسمية. من ذلك
استعمال "تول
تاكنى"
عوض الكلمة الفارسية "انتخابات" [الانتخابات]، و"نوماند" عوض الكلمة
الفارسية "نامزد" أو "كانديدا" [المرشّح]. واستعمال "ولسمشر" عوض التركيب
الفارسي "رئيس
جمهور" [رئيس الجمهورية]، واستعمال "انذور" عوض المفردة
الفارسية "عكس" [الصورة]، و"رستى" عوض الكلمة
الفارسية "رسانه" [وسيلة الإعلام]...
وهكذا
فالأفغان الناطقون بالفارسية مضطرون للقبول بالكلمات العربية والإنجليزية والأردية
والهندية والمغولية والفرنسية الموجودة في بلادهم كمكوّنات لهوية لغتهم القومية
والوطنية.
ومع ذلك
فإن المطلعين على الشأن اللغوي الأفغاني لا يعتقدون بوجود حساسية بين عموم أفراد
الشعب الأفغاني بشأن استعمال المفردات البشتونية أو الفارسية في كلامهم، ولا يمكن
لهذه الحساسية أن توجد، إلا إذا دخلت الحكومة على الخط، فالتجربة أبانت أنه كلما
تدخلت الحكومة في هذا الأمر إلا ونقلت حساسيته إلى عموم الشعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق