آخر إصداراتي الترجمية
طريق الذَّبح
رواية محمود دولت آبادي
صدرت عن منشورات الربيع بالقاهرة 2024
أنا حمامة مذبوحة
رواية طريق
الذبح تتمحور حول الحرب، وتعيد النظر في الكثير من الأفكار العميقة
والعواطف والقناعات الإنسانية. الرواية تعد أقل أعمال محمود دولت آبادي حجمًا
لكنها أكثر تعقيدًا. ألفت بين عامي 2004 و2006، لكنها قطعت مشوارًا طويلا حتى حصلت
على ترخيص بالنشر في العام 2018.
تتشكل
رواية طريق الذبح على مستويات عدة، وتحاول عبر طرح المبادئ
الأخلاقية الفلسفية وأيضًا عن طريق استخدام رموز مختلفة أن ترسم في ذهن قرائها
أسئلة أساسية ووجودية.
رواية الرصاص والقلم:
الإنسان
مقابل الإنسان؛ كل تراجيديا تبدأ على هذا النحو. والحرب كلها نحس؛ نحس لا نهاية له.
هذه هي حكاية طريق الذبح. قصة الإنسان، حينما يقع في برزخ
المتناقضات وفي متاهات لا سبيل للخروج منها، ولا يستطيع ذهنه المشوَّش وروحه
المضطربة الإجابة عن أهم الأسئلة: القتل والموت أم البقاء على قيد الحياة وإعطاء
فرصة للحياة؟ الثقة أم انعدام الثقة؟ أين يكمن الحد الفاصل بين الدفاع والهجوم؟
أين يكمن الحد الفاصل بين المدنية والوحشية؟ بين الرحمة والشقاوة؟ من سينتصر في
جدل العقل والقلب؟ وفي جدل العاطفة الإنسانية وغريزة البقاء؟ كيف السبيل للإمساك
على الحقيقة في هذا الخضم إن كان للحقيقة وجود أصلًا... "أما عن الأسير...أتعلم أنني فكرت فيه مليًّا بعد ذلك الكلام؟ ربما لأن
الأسير إنسان لا حول له ولا قوة، بلا دفاع عن النفس ومستسلم؛ لكن برأيي هذا ظاهر
الأمر فقط أما باطنه فشيء آخر، وهو حينما يقع جندي في الأسر ينمحي فجأة كل ما كان
يشكِّل ظاهره فتُنتزع منه القوانين العسكرية ويُجرَّد من الزي العسكري ومن الأسلحة،
وحتى من تلك اللوازم التي يحملها في الحقيبة أو في الجيب. وفجأة ترى نفسك أمام
إنسان عادي، مثلك أنت قبل أن تحمل أسلحتك. كيف يمكنك أن تحارب مثل هذا الشخص الذي
يذكِّرك بنفسك؟! وأيُّ حرب تشنها عليه؟! والحال أنه غير مسلَّح! بل لم يعد فردًا
حتى...» [طريق الذبح، ص15]
تسير
رواية طريق الذبح على حافة شفرة؛ حافة شفرة الموت والحياة؛ وتقف
متذبذبة على تلك الفجوة الضيقة، لتستفز فرضياتنا المسلَّمة. تبتدئ قصة الرواية
بشكل مثير في موقع عسكري: «من مكان ما، من نقطة ما فوق هذه الكرة
الأرضية تُطلق رصاصة من فوهة ماسورة سلاح: كلَّا! بل من مكان ما، من نقطة ما فوق
هذه الكرة الأرضية تُطلق قذيفة ثقيلة ومدمِّرة من فوهة واسعة لماسورة طويلة في
سلاح ثقيل" [طريق الذبح، ص3]
تروى القصة في مستويين؛ الأول قصة الكاتب
العربي الذي يدعى أبو علاء ويُطلب منه أو بالأحرى يؤمر بكتابة رواية مزيفة عن
الحرب (الحرب الإيرانية العراقية) تطابق السردية الحكومية؛ في الوقت الذي ينتابه
تردد عميق حيال أسس مفهوم الحرب: «أيها الرائد، أنا
كاتب! ولا يسوغ للكتُّاب أن يؤججوا نار الحروب، وأي حرب؟ حرب لم أصل بعد إلى إدراك
مغزاها وغايتها!» [طريق الذبح، ص92]
والمستوى الثاني القصة التي ينشغل أبو
علاء بكتابتها؛ قصة تلَّة الصِّفر. حيث يجري اشتباك بين الإيرانيين والعراقيين في
منطقة تعرف بـ تلَّة الصِّفر، وبعد تبادل القصف الشديد والمروع بين الجبهتين، يُقتل
كل الإيرانيين ولا يبقى منهم على قيد الحياة سوى قائد المجموعة وجندي مع أسير
عراقي. يتموقع على ناحيتي التلَّة طرفا الحرب
ويراقب بعضهما بعضًا، ولا يستطيع أي فريق منهما أن يصل إلى خزَّان الماء الموجود
في شقوق التلَّة، والعطش يتجاوز مداه ليصل إلى حد الجنون...
الإنسان
يحاصر الإنسان؛ كلاهما نال منه الإرهاق والاضطراب والعطش وأصيب أفراده. النار
ورائحة البارود والحيرة؛ رموز للإنسان المشرف على السقوط والانهيار والشك في
الوجود. وأسئلة بلا أجوبة. تردد الجندي والقائد على مفترق طرق بين الإبقاء على
حياة الأسير الذي قتل رفقاءهما حفاظًا على المبادئ الأخلاقية أو الإجهاز عليه
وخلاصهما معا. الجندي نال منه اليأس ما نال والعطش سلب منه أمنه. أحداث الرواية
تتقدم بحوارات بينهما وبحوارات فردية مشوَّشة. وبالموازاة مع تلك الأحداث يواصل أبو علاء سرده. وفي ثنايا
الروايتين الأصليتين نجد استطرادات تاريخية تتطرق لفتح العرب لبلاد فارس وللعصر
العباسي وأسرة آل برمك وأبو مسلم الخراساني و...ما خلق نوعًا من التناظر في
الرواية: . «لقد أصابني
الجنون بسببه! لكني لم أستطع قتله ولا أستطيع. صارت ثنيات ظهره لزجة بفعل العرق
بينما الشمس لم تسطع بعد، كما كان جبينه وقفاه يتفصدان عرقًا. إذن كان لا يزال
الماء يسري في جسده رغم أنَّ قوارير خندقه كانت فارغة، وقنينة شرابه أيضًا. أما
عيناه، فكانتا تؤذيانني، ونظراته أيضًا. تلك النظرات... تلك العينان هما اللتان
لمحتا أفرادي الخمسة في جنح الظلام وامتصتاهم. لو كنت جلَّادًا لفقأت عينيه تلك،
غير أني لم أكن فظ القلب.» [طريق
الذبح، ص97]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق